المقالات والبحوث

ولادة النبي الأعظم (ص) والواقع الإنساني وقتذاك ✍️ السيد فاضل الموسوي الجابري

ولادة النبي الأعظم (ص) والواقع الإنساني وقتذاك   ✍️ السيد فاضل الموسوي الجابري
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

ولادة النبي الأعظم (ص) والواقع الإنساني وقتذاك 

 

✍️ السيد فاضل الموسوي الجابري

 

 

بسمه تعالى 

في أرض الجزيرة العربية ذات الأطراف المترامية من الصحراء، برمالها الناعمة الصفراء ، حيث الفضاء الواسع الذي تعانق الأرض فيه السماء، عاش قوم لم يعرفوا من الحضارة والمدنية إلا ما يتناسب مع طبيعتهم الصحراوية القاسية، فأثرت تلك البيئة على تفكيرهم وسلوكهم أيّما تأثير، فبات القوي فيها يأكل الضعيف، والغني يستغل الفقير، والمرأة مسلوبة الحقوق والكرامة، يسود بينهم التفاخر والتكاثر، ولم يقتصر على الأحياء ، بل تعدى إلى الأموات، واصبحت مهنة الكثير منهم الغزو وقطع الطريق. وأمّا الدين فقد عكفوا على الأحجار يتخذون منها أصناماً يعبدونها، ويقدّمون لها القرابين لترضى عنهم، بل راح بعضهم يصنع آلهته من التمر أو العجين وحتى إذا ما جاع ولم يجد طعاماً أكلها.

كان المجتمع العربي القاطن في تلك البقعة من الأرض لا يشكل كتلة اجتماعية واحدة، بل هو منقسم قبائلياً ومناطقياً وعائلياً، يغط في جهل كبير، ويعيش في ظلام دامس، وتناحر واختلاف ، وظلم وانحراف. ولم يكن حال بقية الأمم والشعوب أفضل من الشعب العربي، بل ان الانهيار شمل الجميع، وبات لا يعرف الحق من الباطل، والخير من الشر، وانقلبت المفاهيم ، وتصرّمت الأخلاق، فكان المجتمع غابة قاسية لا يعيش فيها إلا القوي ومصّاص الدماء، ولا وجود فيها للرحمة، ولا مكان فيها للعاطفة ، وكأن القلوب أصبحت كالحجارة بل أشد قسوة.

يصف لنا أمير المؤمنين(ع) حالة المجتمع قبل بعثة النبي الأكرم’ بأبلغ وصف فيقول:

(أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظّ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها. قد درست منار الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها السيف) .

وفي ذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني المنهار، والذي سمي بعصر الجاهلية، انبثق نور النبي الأعظم، وولد الرسول الأكرم، ليطفئ بولادته كل نار، ويهدم كل صنم أو شعار. ولذا نجد أن العديد من المصادر التاريخية تتحدث عن حوادث عجيبة وقعت حين ولادته الميمونة، مثل انطفاء نار فارس، وزلزال أصاب الناس حتى تهدمت الكنائس والبِيَع، وتساقطت الأصنام المنصوبة في الكعبة على وجهها، وعميت على السحرة والكهان أمورهم، وطلعت نجوم لم يكن لها وجود سابق.

وبعد ولادته الميمونة ماهي إلا فترة من السنين حتى صدع بدين التوحيد الإسلام ، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، ويقيم صرحاً اجتماعياً وحضارياً وثقافياً تدين له الإنسانية جمعاء، وحول تلك الأرض القاحلة إلى واحة خضراء، تزهو بأجمل الورود والرياحين، من خلق كريم، وفكر سليم، وحبٍ عميم، وايمان يملئ القلوب، الأمر الذي أحدث انقلاباً حقيقياً في بنية المجتمع، وانعطافاً تاريخياً لكل البشرية، فظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.

 

السيد فاضل الموسوي الجابري 

الحوزة العلمية في النجف الاشرف 

16 ربيع الأول 1444هـ 13/10/2022

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار