المقالات والبحوث

كلمات في ذكرى مولد عيسى ابن مريم عليه السلام هذه كلمات من مسلم ، فيها دعوة حق صادقة : بقلم الشيخ حيدر اليعقوبي

 كلمات في ذكرى مولد عيسى ابن مريم عليه السلام هذه كلمات من مسلم ، فيها دعوة حق صادقة : بقلم الشيخ حيدر اليعقوبي
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


كلمات في ذكرى مولد عيسى ابن مريم عليه السلام
هذه كلمات من مسلم ، فيها دعوة حق صادقة

وموعظة خالصة الى الـمـسـيـحـيين في العالم ، في ذكرى مولد النبي الـمسيح ، عيسى بن مريم العذراء ، أو يسوع المخلص كما يسمونه ، وكلمة الله التي ألقاها الى مريم (عليها السلام ) , كما يصفه القرآن الكريم،
فاذا كُنتُم أيها المسيحيين تؤمنون بالله الـخالق الواحد ، رب العالـمين ، فنحن المسلمون أيضاً نـؤمن به .
واذا كُنتُم تؤمنون بالنبي عيسى المسيح ، أو يسوع ، فنحن أيضاً نؤمن بالنبي عيسى (عليه السلام ) ونعتقد انه أحد الأنبياء العظماء الذين ارسلهم الله تعالى .
واذا كُنتُم تؤمنون بالشريعة الإلهية ، والديانة الربانية ، فنحن المسلمون أيضاً نؤمن بشريعة الله تعالى وضرورة الإلتزام بدينه .
ولكن توجد فروق وميزات بيننا وبينكم ، ينبغي أن تعرفوها وتفهموها اذا سمحتم لنا بالتوضيح ، وأهمها مايلي :
أولاً - أنتم تعتقدون لسبب من الأسباب ، ان النبي عيسى (عليه السلام ) هو ابن الله تعالى , أو أن الله تعالى تـجسد فيه ، أو تـمثل فيه ..
ولكن نـحن المسلمون نعتقد ان هذا الإعتقاد يتعارض مع مباديء التوحيد والعبودية الـمطلقة لله تعالى ، ويتنافى مع مقام الإلوهية الذي لايكون ولايصح الا لرب العالمين ، الذي ليس كمثله شيء ..
ولذلك نـحن المسلمون نقول لكم بدافع الحرص عليكم وحب الخير لكم : أن اعتقادكم هذا خاطئ وواهم وباطل ، ونـحن نتوقع منكم أن تكونوا أكثر وعياً وتفهماً لـحقيقة ان الله تعالى ليس كمثله شيء ، وأنه أعظم وأجل من أي شيء يـخطر في بالكم ..
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ , إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ , فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ , إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ , لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) .
واذا كانت هناك عبارات في نسخ الإنجيل التي كتبها تلاميذه ، ووصلت إليكم بالشكل الموجود بين أيديكم ، بحيث توحي هذه العبارات بالأبوة أو البنوة ، ولم تقبلوا بإحتمال التحريف أو الزيادة ، فهذا بالتأكيد ينبغي ان يفهم بمعناه الرمزي ، أو للكناية أو نحو ذلك من التعبيرات المجازية المتعارفة في مثل هذه الخطابات ..
تماماً كما ورد في القرآن الكريم عبارات مثل : وجه الله ويد الله ، وهي كناية عن الوجود أو القوة أو نحو ذلك ..
فالنبي عيسى (ع) هو روح مـخلوق ، رغم أن خـلقه وإيـجاده كانـا بطريقة إعـجازية وغير طبيعية ، من دون أب ، تـماماً مثلما خلق الله تعالى نبيه آدم (ع) ، وأوجده بطريقة إعجازية ، من دون أب أو ام ، فهل تقولون عنه انه أيضا ابن الله ؟
هذه بالتأكيد فكرة باطلة ، فيجب ان تتأملوا وتتفكروا بعمق .
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا ، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) سورة مريم (88-93).
ونلاحظ في هذا المقطع القرآني كيف يتكرر لفظ (الرحمن) , وهو يتناسب مع خطورة هذه الدعوى الواهمة ، التي هي دعوى جريـئـة وشديدة ، وتتنافى مع اوضح الـمبادئ الاساسية للعقيدة الالهية , ولذلك فهي تستوجب اشد العقاب واعظم العذاب لولا ان الله تعالى هو الرحمن ، وقد إقتضت رحمته ان يؤخر العقاب ويؤجله ليوم لاينفع فيه الندم ..
فالنبي عيسى (يسوع ) إنـما هو نـبي من أنبياء الله تعالى ، وعـبد من عـباده الذين إصطـفاهم ، وقد ارسله الله تعالى بـمعجزات وآيات ، تماماً كما أرسل النبي موسى (ع) من قبله بـمعجزات وآيات .
وهذه الـمعجزات مهما كانت ، تعتبر علامة وآية توثق وتؤكد العلاقة والرابطة بين الله تعالى وبين هذا الشخص الذي ظهرت على يديه المعجزة ..
هذه العلاقة والرابطة إنما هي علاقة الوساطة والتبليغ عن الله تعالى ، وهي التي تسمى بالنبوة أو الرسالة ..
واذا كانت هناك معاجز خاصة لبعض الأنبياء والرسل ، فهذا لايعني بالضرورة ان يكون صاحبها في مقام آخر غير مقام النبوة أو الرسالة ، وإنما هو تعدد مظاهر آيات الله تعالى على حسب الـحاجة والضرورة ومتطلبات التأثير ..
فموسى (عليه السلام ) ظهرت له عدة معاجز لم تظهر لعيسى (ع) ، وعيسى (عليه السلام ) ظهرت له عدة معاجز لم تظهر لموسى(ع) ، ونبينا مـحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ظهرت له عدة معاجز لم تظهر لغيره ، في حين يشترك الـجميع بـجملة من الـمعجزات .
حتى الإحياء ( إحياء الموتى بإذن الله ) لم يكن خاصاً بالنبي عيسى ، بل حصل على يدي عدة أنبياء ، وقد ورد ان حزقيال النبي أحـيى اربعة آلاف او ثـمانية آلاف .

ثانياً - أنتم تعتقدون ان النبي عيسى هو آخر الأنبياء ، أما نـحن فنعتقد انه ليس آخر الأنبياء والـمرسلين ، وإنما هو آخر أنبياء بني اسرائيل ..
فهو ليس آخر الأنبياء على الإطلاق ، لان الله تعالى بعث من بعده نبي الإسلام ، وهو نبي عربي اسمه ( مـحمد) يـحث الناس ويدعوهم الى عبادة الله ، والاعتقاد والإيمان بـجميع الأنبياء السابقين ، وهذا النبي العربي جاء بـمعجزات وآيات مشابهة لـمعجزات عيسى (ع) ..
كما ان لديه معجزة خالدة هي القرآن الـمقدس ، فهذا الكتاب يعجز عنه كل الأدباء والبلغاء منذ ذلك الحين والى الآن ، والى نهاية الوجود ..
وسر هذا الإعجاز يكمن في ان صياغته وترتـيبه ، هما فوق جميع القابليات البشرية ، وجميع العلماء والبلغاء لا يستطيعون مـجاراته أبداً ..
ورغم انه بسيط في تعبيراته ، الا انه عميق في أفكاره ومـحتوياته ، التي تلائم جميع العصور والأجيال والـحضارات ..
وتوجد في هذا الكتاب حلول جذرية للكثير من مشاكل العالم ، سواء كانت فكرية او أخلاقية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك .
وميزة هذا الكتاب أنه مـحفوظ من دون أدنى شك ، لأنه متواتر من جيل الى جيل ، ومأخوذ يداً بيد عمن قبلنا ، بنفس ترتيبه وصياغته ، وبنفس نـصوصه وكلماته ..
فماذا ستخسرون اذا آمنتم وإعتقدتـم بهذا النبي ، بنبينا مـحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما نؤمن نـحن ونعتقد بنبيكم عيسى (عليه السلام ) ..
فان الله تعالى الذي أرسل نبيكم عيسى (ع) هو نفسه الذي أرسل نبينا مـحمد (ص) ، فلماذا تعصون أوامر الله تعالى في نبيه مـحمد (ص) ..
أما نـحن الـمسلمون فنعتقد بـجميع الأنبياء والمرسلين ، ونؤمن بـمنزلتهم الـمقدسة ، بل نـحن نعتقد بعصمتهم وطهارتهم من جميع الذنوب والـخطايا ، ولذلك فنحن في أمان من هذه الناحية ..
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا آمِنوا بِاللَّهِ وَرَسولِهِ وَالكِتابِ الَّذي نَزَّلَ عَلى رَسولِهِ ، وَالكِتابِ الَّذي أَنزَلَ مِن قَبلُ ، وَمَن يَكفُر بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً بَعيدًا ) سورة النساء - ١٣٦
فالاسلام يعتبر أحوط وأسلم من جميع الأديان السابقة التي أنزلها الله تعالى على الترتيب .
وأهل الكتاب من اليهود والمسيحيين مطالبون واقعاً بالبحث عن الإسلام ، لأن الدين الاسلامي دين إلهي مثل اليهودية والـمسيحية ، أي أنه من نـفس نوعهما ، وبنفس منشأهما ومبدئهما ..
ولكنه لما جاء بعدهما ، فيكون عندئذ حاكما عليهما ، خصوصاً وأنه يذكرهما بالإسم ويدعو أهلهما اليه .
ولاموجب لأن يبحث المسلم عن اليهودية والـمسيحية ، لأنه مؤمن أساساً بنبوة النبي موسى والنبي عيسى (عليهما السلام ) ، بل هو ينظر إليهما بتقديس وإجلال ، وينزههما عن كل سوء ، بـمقدار أكبر وأكثر مـما يتصوره اليهودي أو الـمسيحي ..
أما هؤلاء فيحتاجون ان يبحثوا بوعي وصدق عن هذا النبي الذي أرسله الله تعالى بعد موسى وعيسى (ع) كما أرسلهما من قبله ، وكما أرسل الأنبياء من قبله ..
واذا لم يبحثوا عنه فإنهم يغامرون بدينهم وبـمصيرهم ..
وسيخسرون كل شيء اذا تبين لهم فيما بعد ان النبي مـحمد (ص) نبي الله ، وان الاسلام دين الله ..
أما المسلم فإنه مرتاح من هذه الناحية ، فهو يمشي في الطريق الأسلم ، ويسير على الصراط الأقوم ، وعمل بما هو أحوط وأكثر أمناً وأماناً في دنياه وآخرته ، في جميع الأحوال والتقادير ..
وهذه نعمة عظيمة خاصة بالمسلم ، وفضل كبير يـمتاز به عن غيره .
رابعاً - انتم تظنون ان الـحرية الشخصية مطلقة وغير مقيدة ، وكل شخص منكم حر في ان يفعل أي شيء يهواه ويريده ، فيستطيع ان يزني أو يشرب الـخمر ، ويشاهد كل ما يحلو له ويرضي رغبته ، وان يفعل كل ما يهواه في دنـياه ..
بينما نعتقد نـحن الـمسلمون ان هذه الـحرية مقيدة ومـحددة بالتعاليم الدينية ، وان أوامر الله تعالى شاملة بمعنى من الـمعاني لـمطلق تصرفات الإنسان الفردية والإجتماعية ، وان طاعة الله واجبة على خلقه ، وان الثواب والعقاب متوقف على الطاعة والعصيان ..
ونـحن نعتقد أيضاً أن هذه الـحقيقة موجودة في دينكم ، ولكنكم لاتعلمون , أو لا تهتمون بذلك ..
فاذهبوا واسألوا علمائكم الثقات عن تفاصيل الشريعة في دينكم ..
اسألوهم هل كان الـمسيح يسوع السائح في ملكوت الله يفعل مثل هذه الأمور التي تطبع وتعود أغلبكم عليها ؟ ..
اسألوهم هل كانت مريم العذراء الطاهرة النقية ترضى أو تفعل مثل هذه الأمور التي ترتكبها أغلب النساء في مـجتمعاتكم ، من التهتك وعدم الحشمة أمام الآخرين ، وحرية الإخـتلاط مهما كان ، ونـحو ذلك ؟
اسألوهم هل كان بطرس أو ماثيو يرضون بفعل مثل هذه الأمور ؟
بالتأكيد انهم كانوا أناساً طاهرين ، وكانوا يتورعون عن مثل هذه التصرفات ، وكانوا نزيهين ويـمتازون بالصفات العالية ..
فكيف تدّعون أنكم مسيحيون ، وأنتم بعيدون عن أخلاق الـمسيح وأمه وخيرة حواريـيه ..

كيف تسمون أنفسكم مسيحيين ، وأنتم لا تلتزمون بتشريعات السيد الـمسيح ، ولاتأخذون بنصائحه وتعاليمه في تصرفاتكم الـحياتية ..
أين أنتم من الـحياة الآخرة ، ان كنتم تؤمنون بها حـقاً ..
الذهاب الى الكنيسة كل أسبوع لايكفي ، وإنـما هو مظهر ينبغي أن يعبر عن جوهر ومضمون في داخلكم وفِي تصرفاتكم مع خالقكم الله تعالى ..
لاحظوا كبار رهبانكم كيف يفترض أنهم يـجتنبون الـمحرمات ويتنزهون عن الـمفاسد والرذائل ..
لاحظوا راهباتكم ، وهن يلبسن الـحجاب ، ويـحاولن التطهر والتنزه من الـموبقات والـمحرمات ..
لانقول لكم كونوا رهباناً أو راهبات ..
ولكن نقول لكم تعلموا وطبّقوا الأخلاق والقيم التي يريدها الله تعالى ، ولو بالـحد الأدنى الـمقبول عند الـخالق جل جلاله .
ليكن معلوماً عندكم ان دين الله يأمركم بالآداب والاخلاق ، وينهاكم عن الفحشاء والرذائل ، وان الـحرية الشخصية مقيدة بالآداب والتعاليم الإلهية ، وهذا ما نعتقد به نـحن المسلمون .
خامساً - انتم تظنون ان التقدم في التسلح والعمران والتكنولوجيا ، هو معيار التقدم الـحضاري ، وأنه أهم شيء وغاية في هذه الـحياة ..
لكننا نعتقد ان هذا مقياس باطل وخاطئ ؛ لان التقدم العلمي والعمراني والتكنولوجي مهم جداً ، ولكنه يـجب أن يستند على الأخلاق والآداب والدين ؛ وإلا فانه سيكون كارثـة على البشرية ..
وفِي الـختام نحن ندعوكم لأن تقرؤوا كتبنا وثقافتنا من مصادرنا الـموثوقـة الـمتسالم عليها بين الـمسلمين ، ولاتأخذوا ديننا وشريعتنا من أعدائنا الذين ينتسبون الى الإسلام ، وهم بعيدون عنه وعن قيمه وروحـه ..
تـماماً كما نفعل نـحن مع الـحركات أو الـحملات التي نشأت وحاربت بإسم الصليبية والـمسيحية ، ونـحن نعتقد ان الدين الـمسيحي بريء منها .
تأملوا جيداً في ديننا الاسلامي ، لتعرفوا انه دين الله خالق الوجود ..
ولنختم الكلام بقول الله تعالى :
( ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ،ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ، وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة ( ٨٢-٨٣)

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار