المقالات والبحوث

الثبات هوية الشخصية الرسالية : بقلم الشيخ عماد مجوت

 الثبات هوية الشخصية الرسالية : بقلم الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


الثبات هوية الشخصية الرسالية

بقلم الشيخ عماد مجوت

التغير المستمر في الأوضاع الاجتماعية زمانا ومكانا ربما ينعكس على متبنيات الانسان المؤمن بما يخلق في شخصه التردد والضعف في أبداء ما يتبناه ويؤمن به , ومن هنا ركز القران الكريم على ثقافة الصمود والصلابة والثبات في شخصية الأنبياء ومتابعيهم , فكان الثبات من سمات الشخصية الرسالية لهم , فلم تستفزهم مواقف وكلمات منتقديهم عن التركيز على أهدافهم السامية التي ذوبوا فيها خصوصياتهم الذاتية .
فهذا نبي الله نوح عليه السلام يواجهه قومه بطريقة تكشف قوة شخصيته , وثبتها , قال تعالى عنه :" وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ "(هود:38) . فلم تكن مسالة السخرية منه عليه السلام من فرد عابر , بل هي ثقافة متبناة يعيشها قومه عموما حيث كان" كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ " مع أن السخرية نوع استخفاف بتقليل من شأنه , ومع هذا كان " عليه السلام" ثابتا قويا , فلم يكترث لقولهم بل كان نظره عليه السلام الى العاقبة .
وهكذا الحال مع نبي الله هود " عليه السلام" حينما دعا قومه الى مبادئه التي يؤمن بها وبقدسيتها , فكانت مواجهته من قبلهم بأشد الكلمات قسوة وحدة , قال تعالى :" قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" (الأعراف:66) . فمن الصعب على كريم أن يقبل بهذين الوصفين " إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ... مِنَ الْكَاذِبِينَ " . لكن مع ذلك لم يُستفز بل كانت أهدافه الشيء الوحيد الذي يركز عليه , مع مرونة عالية في التعامل قال تعالى حاكيا عن طريقة رده عليهم حالا ومقالا : " قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الأعراف:67) .
ومن هنا خصهم تعالى بمحبته ووصفهم بأنهم بديل كل متراجع متلفت الى ما يقال له وعنه , قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (المائدة:54) . فسمتهم " يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ " , فلا هم لهم إلا الطاعة , ولا شاغل لهم إلا إعلاء كلمته تعالى , ومنه تعالى أكبر كرامة" يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ "و" ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " .
فلا مجاملة في المبادئ , ولا وهن في المعتقد , فالثابت على منهج الأنبياء لا يبالي بما يقال عنه إذا صلى في مكان قد يكون فيه المصلي مثارا للسخرية كالصلاة في المطار أو الجامعة أو ما شابه , ولا ينساق مع دعوات التهاون في مقتضيات الظروف فيصافح المرأة الأجنبية لان عدم مصافحتها خلاف الذوق , ولا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفاظا على الرزق والمعيشة , ومن هنا كانت ثقافة أصحاب الأئمة "عليهم السلام" ثقافة قوة والإرادة والثبات , وشغلهم الطاعة والائتمار , فهذا محمد بن مسلم أحد أكبر أصحاب الأئمة عليهم السلام وكان " رجلا شريفا موسرا فقال له أبو جعفر عليه السلام:" تواضع يا محمد " ، فلما انصرف إلى الكوفة أخذ قوصرة تمر مع الميزان وجلس على باب مسجد الجامع وجعل ينادي عليه .
فأتاه قومه فقالوا له : فضجتنا ، فقال: إن مولاي أمرني بأمر فلن أخالفه ولن أبرح حتى افرغ من بيع ما في هذه القوصرة " . (الاختصاص:52) , فلم يبالي بما يقال عنه إذا كان نصب عينيه طاعة الإمام فقط , وهكذا الحال في عبد الله ابن أبي يعفور حيث روي أنه : " لزمته شهادة فشهد بها عند أبي يوسف القاضي ، فقال أبو يوسف : ما عسيت أن أقول فيك يا ابن أبي يعفور وأنت جاري ، ما علمتك إلا صدوقا طويل الليل ولكن تلك الخصلة !
قال : وما هي ؟
قال : ميلك إلى الترفض ، فبكي ابن أبي يعفور حتى سالت دموعه ، ثم قال : يا أبا يوسف تنسبني إلى قوم أخاف أن لا أكون منهم فأجاز شهادته . الكافي :ج7 ، ب 19 ، ح 8 . فلم يعتذر لنبزه بالترفض بل بكى خوفا أن لا يكون منهم , فالاعتزاز بعقيدته جعله يكبر حتى في عين ابن أبي ليلى القاضي . فالثبات سلوك وعقيدة , ومنهج رفعة في الدنيا , ومقام المرافقة للنبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
اللهم رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار