المقالات والبحوث

من عجائب الكتاب المبين وعظمته، الشيّخ عماد الهلالي

من عجائب الكتاب المبين وعظمته، الشيّخ عماد الهلالي
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


من عجائب الكتاب المبين وعظمته، الشيّخ عماد الهلالي

القرآن قابل لإعادة الترتيب

قال الله تعالى: [وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ] (النحل : 101).

تدل الآية الشريفة بأنه كان يتم تبديل أماكن الآيات الشريفة، وأن ذلك التبديل كان يُفتتن به بعض مرضى القلوب والمنافقين والجهلة.

وهذه الآية من سورة النحل لعلها أنزلت بعد حادثة تبديل مكان الآية (91) من سورة النحل، وهي قوله تعالى: [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] (النحل : 90).

فقد روي في الدر المنثور عن عثمان بن أبي العاصي قال: (كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً إذ شخص ببصره فقال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من السورة: [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ –إلى قوله- تَذَكَّرُونَ]).

وهي تدل على أن هذه الآية لم تكن في الموضع التي هي فيه الآن، فهي كانت نازلة، وهذه الرواية تذكر أن نزول جبرائيل لتغيير مكان الآية إلى الموضع الحالي، وقد روي مثلها في كتبنا عن عثمان بن مظعون وكانت سبب إسلامه.

وهذا التغيير في هذه الآية بالذات وبملاحظة الآيات حولها يكشف لكم عن شيء من حكمة التبديل في أماكن الآيات الشريفة في السور القرآنية، ولكننا سنقتصر الآن على إثبات أطروحة تبديل أماكن الآيات ونترك تعليل ذلك إلى مناسبة أخرى.

ولاحظوا أن الترتيب الأول يدل على معنىً جزئي خاص، والترتيب الثاني بعد وضع الآية صار وكأنه يدل على معنى عام، مع كناية عن المعنى الخاص، فتأمل!.

ومن مؤيدات هذه الأطروحة بعد الآية الشريفة والرواية التي ذكرت نزول جبرائيل بأمر الله لتغيير موضع الآية (91) من سورة النحل:

أولاً: إن نزول القرآن متفرقاً بين مكة والمدينة، ووجود سور مكية تتضمن آيات مدنية وسور مدنية تتضمن آيات مكية كما هو معروف لدى المشتغلين بمناسبات النزول: يدل على أن ترتيب جمع القرآن غير ترتيب النزول الزماني.

ثانياً: ما رواه المفيد في الإرشاد (ص 344) عن جابر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط، ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل، فأصعب ما يكون على ما حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف).

وهي صريحة في أن المهدي عجل الله فرجه سيعيد ترتيب القرآن بحسب ما أنزل، ومعنى (على ما أنزل) يحتمل فيه معنيان:

الأول: أنه يعني بحسب تأريخ النزول.

الثاني: أنه يعني بحسب مراتب التنزيل في السماوات.

وكلا المعنيان يدلان على تغيير طريقة تأليف القرآن وجمعه، بحيث أن من حفظه اليوم سيصعب عليه تلاوته مع الترتيب الجديد لأن الإنسان يستعين بحفظ الآية على ما حولها من الآيات فيثبتها جميعاً في ذهنه كسرد واحد.

ثالثاً: من المعروف أن أمير المؤمنين (عليه السلام) اشتغل بجمع القرآن كما أنزل وجاءهم به إلى الأصحاب بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرفضوه، كالخبر الذي رواه الصدوق في اعتقاداته (ص 93) عن أمير المؤمنين أنه جاءهم بالمصحف الذي اشتغل بجمعه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهم (عليه السلام): (هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف، فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك، فانصرف .. الحديث) وهو يدل على أن القرآن كان موجوداً لدى الناس، ولكن ما جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مغايراً لما عندهم، مع ما يعتقده جل علماء الشيعة من أن القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن جميع ما أوحي إليه (صلى الله عليه وآله) من القرآن موجود ما بين دفتي المصحف. وتوجد روايات أخرى تذكر هذه الحادثة.

ويرى السيد الخوئي في البيان ((إن وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السلام يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته)) ونحن ندعي هنا أن التغاير ليس في ترتيب السور فقط بل في ترتيب الآيات، فترتيب السور لم تكن مشكلة لدى المخالفين لأمير المؤمنين (عليه السلام) يومها، وإنما كان يدل الترتيب الجديد على فضائح (بعض المهاجرين والأنصار).

فما نريد قوله أن القرآن قابل لإعادة الترتيب وأنه نزل بترتيب معين، ثم غيره رسول الله بأمر الله تعالى، كما في الرواية عن نزول جبرائيل في صدر البحث، وسيعيد القائم (عليه السلام) ترتيبه بعد ظهوره الميمون، ولعله سيفعل ذلك مراراً بحسب تطور الزمان وتعمق تربية الناس على يديه المباركتين عجل الله فرجه.

وقابلية إعادة ترتيب القرآن لعلها ستكون من أعظم المعجزات في ذلك الزمان، إذ سيقرأ القرآن بشكل يستفاد منه معاني كثيرة مع كل إعادة ترتيب.

هذا مع ملاحظة أنه حتى إذا التفت المؤمن الموالي إلى طريقة من طرق الترتيب، فلا يجوز له أن يقرأ بها، ويجب عليه أن يكتمها ويقرأ كما يقرأ الناس، وتوجد في هذا الصدد آية وروايتان:
أما الآية فهي قوله تعالى: [قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ] (يونس:15) وهي وإن كانت في صدد طلب الكافرين تبديل جملة القرآن إلا أن قول النبي (صلى الله عليه وآله): [مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي] مطلق يشمل جميع أنواع التبديل.
وأما الروايتان:

فأولاهما: ما روي في عن سفيان بن السمط قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تنزيل (ترتيل) القرآن؟ قال: اقرؤوا كما عُلّمتم) أي كما تعلمتم من القراء، ومثلها الروايات التي أمرت بالقراءة كما يقرأ الناس وتأجيل القراءة الأخرى إلى أن يظهر القائم.

وثانيهما: ما في كتاب الكافي (ج4، ص 452) عن عبد الرحمن بن أبي هشام عن سالم بن سلمة قال: (قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كف عن هذه القراءة، أقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السلام. فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه وقال لهم هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته بين اللوحين فقالوا: هوذا عندنا مصحف جامع لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً). وهي صريحة في النهي عن القراءة بأي طريقة تخالف ما يتعلمه الناس من طريقة قراءة القرآن في هذا الزمان.

ونعجز عن الخوض في هذا البحث أكثر من هذا لأنه يحتاج إلى ذكاء وفطنة وطهارة قلب، وكتبنا ما يسعنا في كتاب (الولاية في سورة محمد) وكتاب (فكرة المعاقد في سور القرآن الكريم).

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار