المقالات والبحوث

أطلالة حبّ بقلم الشيخ ميثم الفريجي

أطلالة حبّ  بقلم الشيخ ميثم الفريجي
المصدر: واحة _ وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


أطلالة حبّ بقلم الشيخ ميثم الفريجي

بِسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أحباء الله محمد حبيب الله وآله آل الحب والمودة والعطاء

خلق الله الناس مختلفين في أجسامهم ، وألوانهم ، وطباعهم ، ولغاتهم ، وثقافاتهم ، وقابلياتهم ، وجعلهم شعوباً ، وقبائل ، وأوطاناً ، ومجتمعات
قال تعالى :(( يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) الحجرات : 13

ومع ذلك خصّهم تبارك وتعالى بأمور مشتركة لا يكاد تُفقد عند أيّ ٍمنهم ولا تتفاوت بينهم الَّا بمقدار الشدة والضعف
، ومن بين تلك الأمور محل الاشتراك : المشاعر والأحاسيس الباطنية المعبّر عنها بالحب .

ولا يخفى أهمية وجود هذه المشاعر بين أهل العالم لتزداد أواصر المحبَّة ، وتتعمَّق وشائج الأُلفة ، وينفتح بعضهم على بعض ، ويعيشوا بسلام وأمان متحابين متآخين

لذا حث الاسلام ، وقادته العظام محمد وآله الكرام على تفعيل هذا الجانب من خلال إشاعة أجواء الأُلفة ، والمحبة ، وإزالة أسباب البغض ، والكراهية بين بني البشر على أختلاف عقائدهم ، وأديانهم فضلا عمّا كانوا من معتقد ، ودين واحد

فقد ورد عن رسول الله (ص) :(( المتحابّون في الله في ظل عرش الله يوم لا ظل الا ظِلُّه ، يفزع الناس ولا يفزعون ، ويخاف الناس ولا يخافون )) 1

وورد عنه (ص) : (( أنَّ المتحابّين لتُرى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي او الغربي فيقال : من هؤلاء ؟ ، فيقال : هؤلاء المتحابّون في الله عزّ وجل )) 2

والقرآن الكريم ينادي الناس :(( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) آل عمران : 31

ومن هنا كان الاسلام دين المحبة والسلام ، وبأتباع تعاليمه ينجو الناس ويسود بينهم العدل ، والرحمة ويحب أحدهم الآخر
كما قال تعالى :(( يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) المائدة : 16

وأنَّما بُعث رسول الاسلام (ص) رحمة للعالمين ، ليشع عليهم برحمة الله وحبّه ، وليعمّ عليهم ببركة وجوده وانفاسه الخير والسلام ، وليقتدوا به فيكونوا كما أرادهم الله تعالى أخوة متحابين في الله
قال تعالى : (( وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) الانبياء : 107

وقال تعالى :(( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً )) الأحزاب : 21

ولكن الظاهر أنَّ هذا لا يرضي أعداء الاسلام ، والإنسانية لذا خطّطوا الخطط ، وبذلوا الأموال ، وجنّدوا البشر ليزرعوا في جسد الأمة المسلمة فئة تدين بالكراهية ، والقتل ، والإيذاء ، والبغضاء ، وجعلوا لها أجندات وقوانين تنسب الى الاسلام زورا وبهتانا ، أو تحاكي ما موجود فيه ظاهراً مع خلل في التطبيق وفي اختيار مساحة الزمان والمكان ، حتى يوهموا العالم أنّ هذا من الاسلام ، ويزعزعوا ثقة المجتمعات والافراد بألاسلام ، فينجحوا في وضع أسفين بين الاسلام وبقية الديانات ، بل ومطلق المجتمعات الأنسانية .
فتمخّض هذا العمل منهم عن ولادة جملة من التنظيمات العقائدية الإرهابية التي تحمل البغض والكراهية والارهاب فكرة ، وعقيدة ، وسلوك ، وتنسب نفسها الى الاسلام زورا وبهتانا كالقاعدة وداعش وغيرها
هكذا هم فكروا ، وخططوا ، ونفذوا ، ولكن وعد الله حق ولا يخلف الله الميعاد
قال تعالى :(( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ )) التوبة ( 32-33)

وما هي الا سنوات قليلة فتكشَّفت الأقنعة ، وسقط الستار ، وبان الزيف والإدعاء ، واتضح للعالم صفاء الاسلام وأنه دين المحبة والسلام فعلا ، وأخذ العقلاء يميّزون بين هذه الاجندات العقائدية الباطلة والتنظيمات الإرهابية التي نسبت نفسها الى الاسلام ، وبين مباديء الاسلام ، وشعاراته ، وسلوك قادته المعصومين ، ومصادر تشريعه التي تشع على الناس بضياء الخير ، والحب ، والسلام .
ولكن تبقى المجتمعات تنشد الخلاص من الظلم ، والاستبداد ، والكراهة ، والبغضاء في ظل قيادة ملؤها الحب والرحمة تشابه ما جاء به الانبياء ، والرسل ، والأوصياء ، والحكماء من بني البشر فيما مضى

لذا تشرأب الاعناق ، وتعج الأصوات ويحدو بالنفوس الأمل بأنتظار ذلك الموعود الذي يملأ الارض حباً ، ورحمة ، وسلاماً ، وإخاءً كما ملئت حقدا ، وكراهية ، وبغضا ، وحروباً ، وهذا ما نعتقده وندين به بعد

ان نطق به القرآن الك ريم :
قال تعالى :(( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ )) القصص : 5

وقال تعالى :(( وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ )) النور : 55

و جاء في الأخبار الصحيحة المتواترة عن النبي ( صلى الله عليه واله ) : أن الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلا من أهل البيت عليهم السلام يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا, وأن ظهوره بعد الغيبة من المحتوم الذي لا يتخلف حتى لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتى يظهر .

هذا هو المهدي الموعود حبيب القلوب ، وأنيس النفوس والمنتظر لإرساء قواعد الحب في قلوب بني البشر عجل الله
تعالى فرجه وسهل مخرجه

وفي عقيدتي : أنّ العالم اليوم - أفراداً ومجتمعات - اذا توحّد في مشاعر الحب الصادق وأخلص فيها كما يريدها الله تعالى لزالت الكثير من الأختلافات والتشنّجات ولتوحَّدت الآراء والمواقف .

ومن هنا : نوجّه الدعوة الى الجميع - ولا سيما القيادات الدينية في مختلف الاديان والمذاهب ، والى عقلاء العالم ، ومن يستمع القول فيتبع أحسنه - : أن يتفهّموا مشاعر الحب ، وفلسفة إيجادها من قبل الله تعالى فينا نحن بنو البشر ، و أنْ يعطوا حقَّها كما أراده الله تعالى ، وان يزيلوا أسباب الكره والبغضاء ، ويُبدلوها بالحب والمودة فيما بينهم ، ولا ييأسوا في هذا المشوار لأنه قيل : ( رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة )

وما ذكرته ما هو الا شقشقة دفعتني ان أُسطّر بعض الكلمات والجمل في هذه المشاعر عسى ان ينفع الله بها في هذا المجال ولو في بداية المشوار وعلى الله فليتوكَّل المتوكلون
وفي الختام
نسأل الله تبارك وتعالى ربّ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين وربّ بقية الانبياء والمرسلين وربّ البشر أجمعين أن يؤلّف قلوب بني البشر ، ويجمع كلمتهم على حبّه ، والاقرار له بالعبودية الحقّة لتنفتح عليهم بركات السماوات والأرضين .
قال تعالى : ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ )) الاعراف : 96
ألهي : ( يا غاية آمال المُحبّين أسألك حبّك ، وحبّ من يحبّك ، وحبّ كل عملّ يوصلني الى قربك ، وأن تجعلك أحبّ اليَّ ممّا سواك ، وأن تجعل حبي أياك قائدا الى رضوانه ....)
بأحب الخلق اليك محمد وآله أحبائك الميامين
----------
١/ كنز العمال : ٩ / ١٢ / ٢٤٦٩١
٢/ كنز العمال : ٩ / ١٦ / ٢٤٧٠٦

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار