المقالات والبحوث
الدولة العميقة للهوى الشيخ عماد العلياوي
![الدولة العميقة للهوى الشيخ عماد العلياوي](https://alhawzanews.com/upload_list/source/News/IMG_20190701_013218_223.jpg)
الدولة العميقة للهوى
الشيخ عماد العلياوي
ربما يكون من السهولة أن يتجاوز الإنسان متطلبات البدن و أدواته المادية ، ويزهد في ما له ولها ، ويعرض عن كل ما يرتبط بهما ويمت لهما بصلة .
ولكن في بعده الأخر وما يرتبط بالنفس الإنسانية ، ما يتخفى خلف عناصر الشخصية الظاهرة في الصورة ، وما يرتبط بها ، ويتحين ساعات تحكمه في مملكة الظاهر ، فتظهر أثار حب السلطة والجاه والمال والسلطان، وحب المدح والثناء ، فيظهر سلطان الدولة العميقة في نفسه والتي تشكل حقيقة شخصيته المتخفية وراء أستار الزهد والتقوى، فالظاهر زاهد ، والحقيقة راغب ، والظاهر من المحسنين، والباطن من الطالبين ، وأي قصص أصرح وأوضح ممن تزكى ثم أعقبه بأن تردى حيث دولته العميقة انسته مقام ربه فنسى نفسه ، قال تعالى حكاية عن ذلك : ﴿وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَّيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ * وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾
[الأعراف: ١٧٥-١٧٦] . فأنظر إلى قوله ( نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها ) تجد تجذر أدوات الهوى في عمق الذات ، فلو وقفت متسائلا مع نفسك ؟ كيف أتي الآيات إلا يدل على عظيم شأنه وكيف سلبت عنه ؟ إلا يدل على تدني حاله ، أجابك القرآن ذلك شأن الهوى ( وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ ) . وهذا حال الكثير مثله فكانت قصته عبرة ( فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ ) .
بل ربما تمادى حب السلطة المتخفي ليظهر بعد عظيم المنزلة حربا على الله تعالى، وإظلالا لعباده ، فأنظر الى بني إسرائيل مع قيادة موسى عليه السلام، واستقرار شأنهم، ولطف الله تعالى بهم ، وربانية قائدهم ، كيف تغير الحال ،وتبدل الاستقرار، قال تعالى: ﴿وَما أَعجَلَكَ عَن قَومِكَ يا موسى * قالَ هُم أُولاءِ عَلى أَثَري وَعَجِلتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرضى * قالَ فَإِنّا قَد فَتَنّا قَومَكَ مِن بَعدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ * فَرَجَعَ موسى إِلى قَومِهِ غَضبانَ أَسِفًا قالَ يا قَومِ أَلَم يَعِدكُم رَبُّكُم وَعدًا حَسَنًا أَفَطالَ عَلَيكُمُ العَهدُ أَم أَرَدتُم أَن يَحِلَّ عَلَيكُم غَضَبٌ مِن رَبِّكُم فَأَخلَفتُم مَوعِدي * قالوا ما أَخلَفنا مَوعِدَكَ بِمَلكِنا وَلكِنّا حُمِّلنا أَوزارًا مِن زينَةِ القَومِ فَقَذَفناها فَكَذلِكَ أَلقَى السّامِرِيُّ * فَأَخرَجَ لَهُم عِجلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ فَقالوا هذا إِلهُكُم وَإِلهُ موسى فَنَسِيَ﴾
[طه: ٨٣-٨٨] . فالذي اضلهم السامري ، والذي جعل العجل ألها من دون الله تعالى يعبد هو" فَأَخرَجَ لَهُم عِجلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ فَقالوا هذا إِلهُكُم وَإِلهُ موسى فَنَسِيَ " .
ثم أنظر إلى منزلته لتعرف خطورة دولة النفس العميقة للهوى، وأدواتها، التي منها النفس ، لترى كيف يكون داعي الهوى، قال تعالى: ﴿قالَ فَما خَطبُكَ يا سامِرِيُّ * قالَ بَصُرتُ بِما لَم يَبصُروا بِهِ فَقَبَضتُ قَبضَةً مِن أَثَرِ الرَّسولِ فَنَبَذتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَت لي نَفسي﴾
[طه: ٩٥-٩٦] . فأنظر إلى قوله تعالى " قالَ بَصُرتُ بِما لَم يَبصُروا " . تجد أي مقام كان ، ثم أنظر إلى قوله تعالى " فَقَبَضتُ قَبضَةً مِن أَثَرِ الرَّسولِ فَنَبَذتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَت لي نَفسي " ، تجد إلى أي مقام صار ، وأي أسباب الخسران كان الميدان . فأثر الرسول ( أي أثار أقدام جبرائيل التي كان يشاهد معها الحياة الحقيقية ) إنما وصل إليها بأعراضه عن الدنيا وما فيها ، وخلوده إلى الأرض مرة أخرى وضلاله وإضلاله ، بتسويل نفسه .
فأي مأمن لغيرهما من الثبات بعدهما، يقول سيد الموحدين عليه السلام :" فَرَحِمَ اَللَّهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ وَ قَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذِهِ اَلنَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْ ءٍ مَنْزِعاً وَ إِنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوًى " .( نهج البلاغة/ الخطبة : ١٧٦) .
© Alhawza News Agency 2019