المقالات والبحوث

القضاء وفلسفة البلاء

القضاء وفلسفة البلاء
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عماد مجوت 

 

 بعيدا عن المواقف التي ينبغي أن يتخذها الإنسان إزاء ما يعرض عليه في حياته من خير أو شر، أو حتى أيادي الشر الخفية التي تدير الأحداث من خلف الكواليس، والتعامل معها بمقتضى تأثير الأسباب والمسببات، يشكل جميع ما ينزل بالإنسان من ناحية غيبية سببا ليد السماء بارجاع العباد إلى الله تعالى ؛ حيث يشكل ظرف العجز عند الإنسان غريزة يظهر معها ضعف الإنسان، فيلتجأ إلى من يجد عنده غناه ، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذي يُسَيِّرُكُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ حَتّى إِذا كُنتُم فِي الفُلكِ وَجَرَينَ بِهِم بِريحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحوا بِها جاءَتها ريحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ المَوجُ مِن كُلِّ مَكانٍ وَظَنّوا أَنَّهُم أُحيطَ بِهِم دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ لَئِن أَنجَيتَنا مِن هذِهِ لَنَكونَنَّ مِنَ الشّاكِرينَ﴾[يونس: ٢٢] . وهي حالة عامة يجدها كل إنسان عند الشدائد والأزمات، نعم قد يخرج عن استشعارها البعض لظروف ذاتية تحيط به. 

 وهذه الحالة حالة غريزية يجدها الإنسان في ذاته وبغض النظر عن ما يتعقبها، كما في قوله تعالى : ﴿فَإِذا رَكِبوا فِي الفُلكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ إِذا هُم يُشرِكونَ﴾[العنكبوت: ٦٥] . فدعائه حال الشدة غريزي ولكن ما تعقبه من حالة رخاء أنهم اتخذوا موقفا مخالف للحالة التي كانوا عليها تنكرا لضعفه وفقره ، قال تعالى:﴿كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى * أَن رَآهُ استَغنى﴾[العلق: ٦-٧]. 

 

وعلى العموم كانت هذه الحالة الغريزيةعن الإنسان وسيلة تربوية له لأرجاعه إلى الله تعالى، كما في قوله تعالى : ﴿وَما أَرسَلنا في قَريَةٍ مِن نَبِيٍّ إِلّا أَخَذنا أَهلَها بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعونَ﴾[الأعراف: ٩٤] . فكان البلاء بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ لأرجاعهم إلى الله تعالى. 

بل شكلت حالة عامة في اللطف الإلهي الذي يسبق الدعوة إلى الله تعالى، كما في قوله تعالى : : ﴿وَلَقَد أَرسَلنا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذناهُم بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعونَ﴾[الأنعام: ٤٢] . فَأَخَذهُم بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ غير مختص بقوم ، بل لطف عام يسبق دعوة الأنبياء عليهم السلام. 

ومن هنا كانت بلاءات الأمم والناس ولو بما ظاهره شر ، له في جهة من جهاته لطف إلهي يكشف عن طيب السريرة للصابر على البَأساءِ وَالضَّرّاءِ ، كما في قوله تعالى : ﴿لَيسَ البِرَّ أَن تُوَلّوا وُجوهَكُم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ وَآتَى المالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينَ وَابنَ السَّبيلِ وَالسّائِلينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالموفونَ بِعَهدِهِم إِذا عاهَدوا وَالصّابِرينَ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ وَحينَ البَأسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقوا وَأُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ﴾[البقرة: ١٧٧] . فواحدة من مفردات البر الصبر على البَأساءِ وَالضَّرّاءِ ،

ومن هنا كان الصبر على البلاءات طريقا إلى الجنة، كما في قوله تعالى : ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾[البقرة: ٢١٤] . بل هي سنة إلهية تعم جميع الصابرين .

ومن خلال ما تقدم يتبين أن ما يقع في هذا العالم من حوادث ظاهرها الشر ولو بفعل فاعل كما في بعض الأمراض، في باطنها قضاء يحمل لطفا لأرجاع الناس إلى الله تعالى، ينبغي للمؤمن أن يستثمر ظرفه للتقرب من الله تعالى، فإنها نفحة من نفحات اللطف .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار