المقالات والبحوث

الدين وثقافة جلد الذات

الدين وثقافة جلد الذات
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 بقلم الشيخ عماد مجوت

 

ربما لا تجد قوما يسخرون من ذاتهم وقدرهم أكثر من العرب ، ولا تجد ظرفا يمرون به إلا وتجدهم يملئون الدنيا سخرية وانتقادا لذواتهم، واطراءا واعجابا بغيرهم خصوصا الغرب .

نعم لا يتعالى المنصف على الواقع الذي نعيشه والذي سبب لنا أزمة التأخر الثقافي والتعليمي وغيرهما من نواحي الحياة، غير أن ذلك لا يعني أننا نعيش بين السخرية من ذواتنا والإعجاب بغيرنا، فنحن أمة اذا أرادت الحياة فلتبدأ من القرآن، تبدأ من الرجوع إلى الله تعالى، نحن أمة اذا كان لها ما تعتز به فهو الإسلام المحمدي العظيم ، الإسلام الذي قدر العلم والعمل ، وأقام العدل ونشر الأخلاق، وجعل الأمة التي تأد البنات، وتاكل الميتة والدم، ولا يوجد فيها من يقرأ ويكتب تحكم الدنيا وتشد إليها الرحال من أطراف الدنيا .

وما كانت تلك العظمة إلا لأن القرآن الكريم بنى ذات الإنسان وجعله يستشعر كرامته وقيمته الذاتية ، فقال له :﴿وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا﴾[الإسراء: ٧٠] .ودعاه تعالى للعمل ليفجر تلك الطاقات : ﴿وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾[التوبة: ١٠٥]

ومتى شعر الإنسان بقدره، تفجرت طاقاته وقدرته على البناء الإجتماعي والنفسي :﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ ﴾[آل عمران: ١١٠] . ومن هنا ما فتأ القرآن الكريم يذكرهم بقيمتهم الذاتية وعلو شأنهم وما يملكون من طاقات مخزونة فيهم ، مؤكدا عليهم بالاعتزاز بثقافة السمو الذاتي، كما في قوله تعالى: ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ * إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾[آل عمران: ١٣٩-١٤٠] . وأنه تعالى مع المعتز بذاته وثقافته: ﴿فَلا تَهِنوا وَتَدعوا إِلَى السَّلمِ وَأَنتُمُ الأَعلَونَ وَاللَّهُ مَعَكُم وَلَن يَتِرَكُم أَعمالَكُم﴾[محمد: ٣٥] .

بل أكثر من ذلك بكثير حيث أكد على ثقافة الاعتزاز ، وأنها ثقافة النفوس الكبيرة الكريمة المرتبطة بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله :﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ وَلكِنَّ المُنافِقينَ لا يَعلَمونَ﴾[المنافقون: ٨] . 

ونعى على من يطلب العزة والكرامة لعدم شعوره بقيمتها عند ذاته : ﴿الَّذينَ يَتَّخِذونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ أَيَبتَغونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَميعًا﴾[النساء: ١٣٩] .

ومن حيث الإعتزاز بالذات فإننا قادرون على البناء وصناعة النجاح وإيجاد الحلول المناسبة لما يمر بنا وعلينا ، ولا نحتاج إلا إلى تعميق الشعور الذاتي بالقدرة النفسية والمجتمعية في البناء والتقديم .

فالطبيب مدعو للمشاركة في تقديم الخدمات الطبية وإيجاد الحلول المناسبة لما يمر بنا وعلينا من أزمات صحية ، فليس غيره أفضل حالا منه ولا يجعل همه جمع المال وكثرة المراجعين، بل يجعل لنفسه وقتا للإبداع والابتكار في مجال العلوم الطبية، وينافس الآخرين في الاستكشاف، فإن المال يذهب وما يقدمه يبقى مسجلا له في سجل الخلود .

والمعلم مدعو لإيجاد مخرج مناسب لأداء وظيفته وإن أغلقت المدارس أبوابها، ولا يكون غيره أولى منه بحمل رسالته المقدسة ولا يعلو فوق صوت إلا صوت النبوة لأنه يؤدي وظيفتهم ، وأي قدسية فوقها ، فهي تستحق أن يقدم كل ما يمكن أن تجود بها نفسه .

ورجل الدين مدعو للمشاركة الفاعلة في زرع الأمل برحمة الله تعالى في نفوس الناس وملئها بالأمن والطمأنينة، وإيجاد فرص الطاعة لهم وتقوية الروابط الاجتماعية بينهم ، فهو وريث الأنبياء وهو رحمة مبعوثة للعالمين فلا يليق به غير أن يكون صورة ملكوتية لهم . 

والشباب مدعون لجعل طاقاتهم وقدراتهم الفكرية والعقلية والبدنية في تنمية الموارد البشرية والفكرية في البناء الإجتماعي والنفسي فهم حقيقة الحياة وهم الخير والأمل . 

وأهل الخير والإحسان وسعة ذات اليد مدعون لجعل خيرهم لإدخال الخير على الفقراء والمحتاجين من ضعاف الحال والمحتاجين، فما عندهم ينفد يوما ما، وما يقدمونه يبقى خالدا ما دامت السموات والأرض.

نحن أمة تملك الكثير وتستحق الحياة الكريمة ولا يعوزنا إلا الإعتزاز بالذات والتوكل عليه تعالى : ﴿وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقونَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَالَّذينَ هُم بِآياتِنا يُؤمِنونَ * الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعر

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار