المقالات والبحوث

اثر العبادة الليلية

اثر العبادة الليلية

 

الشيخ حيدر السعدي

 

من المهم جدا ان نبين ان العبادة في الليل لها اثر خاص على الانسان ، فهي كفيلة بنقله وبسرعة كبيرة الى اعلى مدارج التكامل الانساني ، والقرب من الله سبحانه وتعالى ، وخلق حالة الحب والارتباط مع الله عز وجل .

ففي الليل عندما تنام اعين الناس وتهدأ الاصوات وتستقر الافكار ، ونبتعد عن الاشتغال بأي امر ، يستيقظ هؤلاء المتقون ليناجوا ربهم ويتصلوا به ويتحببوا اليه بانقطاع تام عن كل ما سواه مبتعدين عن اي شغل يحول بينهم وبينه .

ولذلك كانت هذه العبادة مميزة عن العبادة النهارية في عدة امور منها :

 

اولا : العبادة النهارية عادة ما تكون قريبة من وقت الاشتغال والعمل ، وحينئذ لا تزال الاذهان متعلقة بما مرت به قبل قليل فتبقى الاذهان مشوشة .

فالانسان خلال النهار عندما يتوجه الى العبادة ، قد لا يكون فكره وذهنه صافيا . اما في الليل فتكون الامور قد استقرت ، والافكار قد هدأت ولا شاغل للمتعبد الا عبادته .

ثانيا : ان العبادة الليلية غالبا ما تكون خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى ، ولا تشوبها شائبة الرياء او السمعة ، فالانسان في وقت الليل يكون في بيته ولا يراه احد الا المقربين منه جدا والمطلعين على كل احواله الذين يعلمون تفاصيل حياته كالزوجة والابناء ، وهؤلاء يعلمون وبكل وضوح هل ان هذا الشخص يقوم بهذا العمل رياءً او ان هذا هو وضعه الاعتيادي وحالته الطبيعية ؟

اما في النهار فان الانسان يكون على مرأى من الجميع ، ولذا قد تكون بعض تصرفاته رياءً او تباهياً ، وهذا مما لا يحصل امام من يعلم بحاله ، وان حصل فانه لا يكون على نحو الدوام والغلبة كما هي صفة المتقين الذين يقومون اغلب الليالي.

ثالثا : ان الله سبحانه وتعالى خلق الليل للسكون وللنوم {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان : 47] بينما خلق النهار للعمل والاشتغال {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [يونس : 67] 

فالجسم مخلوق على اساس ان يكون اكثر نشاطا في النهار مقارنة بالليل ، ولذلك نجد ان معظم العبادات الواجبة اذا كان لها وقت محدد فهي نهارية ، ولا نجد منها ما هو مؤقت في الليل الا ما ندر كالمبيت في المزدلفة في الحج على راي بعض الفقهاء ، والمبيت في منى ايضا ، وحتى هذين الواجبين ليس المطلوب فيهما الا التواجد في ذلك المكان مما لا يستدعي تعبا او مشقة .

نعم ، قد تكون صلاة العشاء هي اهم عبادة يؤتى بها ليلا ، وهذه العبادة يكون وقتها في بداية الليل كما هو معلوم .

ولذلك فالانسان الذي يترك وقت راحته وسكونه ويتوجه الى الله سبحانه وتعالى تاركا راحة البدن وشهوة النوم ومستبدلا اياها براحة الروح ولذة القرب من الله سبحانه وتعالى ، فبكل تاكيد هو انسان متميز عن غيره ولا يقارن بسواه ، وعبادته هذه لها شأن خاص ؛ لان ما يقوم به هو على خلاف الطبع البدني الذي يميل الى الراحة ليلا .

رابعا : ان الانسان الذي يقوم الى العبادة الليلية بالرغم من انها غير مفروضة عليه ولا يعاقب على تركها بل الدافع له هو تحقيق المزيد من القرب الالهي هو انسان يستحق من الله الثواب العظيم ، وان يضفي عليه ما يميزه عن غيره كما نقرأ في صفات اصحاب صلاة الليل .

 .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار