المقالات والبحوث

سلطان الأبناء على الأباء

سلطان الأبناء على الأباء
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

يأخذ جانب العاطفة حيزا كبيرا من الإنسان في صياغة المواقف الصغيرة منها والكبيرة، بل حتى المصيرية منها .

 

وكما يشكل هذا الجانب دافعا إيجابيا في بعض الأحيان، يكون سلبيا في أحيان أخرى. 

 

وواحدة من أهم المحركات العاطفية تتمثل في علاقة الأبناء مع الأباء، إذ تشكل حالة ضاغطة في صياغة المواقف، متأتية من منزلة الأبناء في القلوب التي وصفها أمير المؤمنين عليه السلام في كلمة تصويره لهذه العلاقة بقوله : " وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي ، حتّى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني ، وحتّى كأنَّ الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي " .(نهج البلاغة/ من كتاب إلى أبنه الإمام الحسن عليه السلام ) . فهو يعبر عن الحالة العاطفية العميقة التي تربط الأب بأبنائه ، وبالتالي هي داخلة على مسألة التأثير النفسي سلبا و إيجابا. 

ومن هنا نبه القرآن الكريم على خطورة عدم برمجة هذه العلاقة التي قد تصل بالإنسان إلى حد لا يمكن الرجوع معه، كما في قوله تعالى:﴿إِنَّما أَموالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجرٌ عَظيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعوا وَأَطيعوا وَأَنفِقوا خَيرًا لِأَنفُسِكُم وَمَن يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾[التغابن: ١٥-١٦] . فهم محل ابتلاء واختبار للإنسان، ومن هنا دعي الى تقوى الله تعالى.

 وقد تكون في بعض صورها مانعا من ذكر الله تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تُلهِكُم أَموالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ﴾[المنافقون: ٩].

بل قد يصل الأمر بتأثير هذه العلاقة إلى حد ما ينزله العدو بعدوه، كما في قوله تعالى :﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّ مِن أَزواجِكُم وَأَولادِكُم عَدُوًّا لَكُم فَاحذَروهُم وَإِن تَعفوا وَتَصفَحوا وَتَغفِروا فَإِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾[التغابن: ١٤]. وهو واضح في التأثير النفسي الذي يخرج الإنسان حتى مع علو مقامه عن موقعه الإجتماعي والديني إلى الجهة المقابلة ، كما في وصف أمير المؤمنين عليه السلام الزبير بتأثير ولده عليه ، بقوله: " مَا زَالَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُهُ الْمَشْؤُومُ عَبْدُ اللهِ " . (نهج البلاغة/ الحكمة:٤٥٠).

فأنظر إلى تأثير عاطفة الأبناء على الأباء حيث أخرجه من منزلة كونه من أهل البيت عليهم السلام إلى عداوتهم.

 

وهو ما يحتاج إلى ترتيب هذه العلاقة من جهة، والتحكم بالعاطفة من جهة أخرى. 

 

اما ترتيب هذه العلاقة فيتحصل من خلال ملاحظة أن تنزيل الأبناء منزلة النفس لا يمنع من كون المواقف في مواضعها المناسبة التي تكون حيث يكون الحق وما ينبغي من الهداية، الأمر الذي يترتب عليه عدم التأثر بمواقف الأبناء فيما إذا خالفت الحق، كما في قوله تعالى : ﴿لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشيرَتَهُم أُولئِكَ كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمانَ وَأَيَّدَهُم بِروحٍ مِنهُ﴾[المجادلة: ٢٢]. فالإيمان المكتوب في القلب هو وليد عدم موادة من يعادي الله تعالى، ولو كان أبنا، وهي معادلة صعبة جدا، حيث يصل إلى ما وصل إليه عبد الله بن الزبير ، ويقول تعالى : ﴿وَأَمَّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤمِنَينِ فَخَشينا أَن يُرهِقَهُما طُغيانًا وَكُفرًا﴾[الكهف: ٨٠]. فإن تأثيره واضح ، كما بينه تعالى ، حتى وصل إلى حد قتله قضاء منه تعالى حفاظا على إيمانهما. 

 

اما التحكم بالعاطفة، فيبدأ من خلال إشباع النفس بأن هذه العلاقة تقتضيها طبيعة الحياة الدنيا، ولكل أمرء عمله الذي يجزى عليه:﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلا أَنسابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ وَلا يَتَساءَلونَ * فَمَن ثَقُلَت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ * وَمَن خَفَّت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم في جَهَنَّمَ خالِدونَ﴾[المؤمنون: ١٠١-١٠٣]. وأن أبناءه مهما كانوا لا يغنون عنه عن الحق والهداية شيئا: ﴿لَن تَنفَعَكُم أَرحامُكُم وَلا أَولادُكُم يَومَ القِيامَةِ يَفصِلُ بَينَكُم وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾[الممتحنة: ٣] . 

وأن هذه العاطفة تجاههم جعلها الله تعالى لأجل ديمومة الحياة، وأنه مكلف بأن يهيء لهم سبيل البقاء والتقويم، لا المالكية لهم : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ﴾[التحريم: ٦].

وأن هذه العاطفة في واقعها مجهولة المسافة بين من هو أقرب في واقعه للنفع:﴿آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم لا تَدرونَ أَيُّهُم أَقرَبُ لَكُم نَفعًا﴾[النساء: ١١]. 

ومع جميع ذلك ينبغي للعاقل جعل هذه العلاقة مسخرة في طريق الله تعالى، وما أعظم أن تكون العاطفة تجاه الأبناء المنزلة منزلة النفس مسخرة في سبيل الله تعالى، فكما يجود بنفسه في سبيل

 

الله تعالى يجود بهم كذلك ، فهم زينة للحياة، وطريق الآخرة: ﴿المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ أَمَلًا﴾[الكهف: ٤٦] .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار