المقالات والبحوث

أنصار الحسين (ع) كانوا يمثلون الصفوة ( النخبة ) المطلوبة : بقلم الشيخ حيدر اليعقوبي

أنصار الحسين (ع) كانوا يمثلون الصفوة ( النخبة ) المطلوبة : بقلم الشيخ حيدر اليعقوبي


أنصار الحسين (ع) كانوا يمثلون الصفوة ( النخبة ) المطلوبة :
نصروا الحسين فجاوروه بروضة
أنوارها شعت بكل مكان
هم خير أنصار وخير صحابة
وثناؤهم باق بكل زمان
فإذا تجدد ذكرهم هتف الورى
( ياليتنا معهم ) بكل لسان
وهاهنا كلمات مهمة ، فان وجود الصفوة أو النخبة مطلوب دائماً، لان هذه الصفوة بمثابة الذراع المفصلي للحركة الاصلاحية .
وقد إجتمعت عند الحسين (ع)، ثلة طاهرة نـقية، كانت رافداً حيوياً للثورة الحسينية رغم قلة العدد وخذلان القواعد.
هؤلاء الانصار استحقوا بجدارة قول الامام الحسين (ع) لهم :
(أما بعد فاني لا اعلم اصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي , ولا اهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي , فجزاكم الله عني جميعاً).
فقد اسقط التكليف عنهم، واشفق عليهم من سفر الشهادة، واختار اشد الامور على نفسه , ألا وهو الجهاد وحيداً فريداً، وأذِن لهم بالتراجع قائلاً:
(قد اذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فان القوم انما يطلبونني، ولو اصابوني لذهلوا عن طلب غيري).
نتوقف هنا لنتأمل كيف ان الحسين (ع) وهو القائد العظيم يحاول ان يحمي اصحابه، ويفديهم بنفسه، بل لنقل انه يحاول ان يسبقهم الى مراتب الشهادة، ليكون قائدهم الحقيقي في هذه الدنيا وفي الاخرة.
ويأبى هؤلاء الأنصار والأصحاب، فهم يتعلمون منه هذه الدروس ويطبقونها في الحال، فيعاهدونه على البقاء، ويفتخرون بالموت معه على هذا الطريق الشريف.
فهذا مسلم بن عوسجة يقول للحسين (ع) :
(انحن نخلي عنك، وبماذا نعتذر الى الله في اداء حقك ، اما والله لا افارقك حتى اطعن في صدورهم برمحي واضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به ، لقذفتهم بالحجارة حتى اموت معك).
وقال آخر :
(اما والله لو علمت انني أُقتل ثم احيا ثم أُحرق حيا ثم أُذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك).
وقال زهير:
(والله وددت أني قُتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا الف مرة وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنـفس هؤلاء الفتيان من اهل بيتك).
حتى نساء الانصار كانت مواقفهن مشرفة وعظيمة، وكانت بعضهن يلبسن اطفالهن ملابس الحرب والقتال.
وكذلك الاطفال يخرجون الى الموت بقلب ثابت وشجاعة فائقة.
انهم بالتأكيد نوعية فريدة، رغم انهم أناس مثلنا وبنفس مواصفاتنا العامة ..
إلا اننا نسأل انفسنا اليوم ، كم منا من يقدر ان يكون بمستوى انصار الحسين (ع) ليقاتل اليوم ضد يزيد بمختلف عناوينه ومصاديقه؟!.
يروى ان احد الانصار وقع جريـحاً في المعركة وظنوا انه قتل ، فلما انتهت المعركة وسمعهم يقولون ، قُتل الحسين (ع) تحمل جراحاته ، وقام وهو يحمل سكيناً يقاتل به حتى استشهد، فقد اراد ان يكون رفيق الحسين (ع) في يومه وساعته، رغم انه رفيقه في دربه ومسيرته.
اننا بحاجة ماسة الى دراسة نقية وصحيحة وواعية لحياة هؤلاء الانصار، فهذه المواقف لم تولد من فراغ ، ولم تحصل لاسباب عاطفية ، وانـما هي مواقف مبدأية راسخة ، لها جذور ومقدمات مميزة جعلتهم يستحقون هذه المرتبة ، كل على حسب استحقاقه.
فهذا التسديد الإلهي والتوفيق الرباني لم يطرأ عليهم فجأة وبدون مقدمات ، فان الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وقد أبى الله تعالى إلا ان يُجـري الأمـور بأسبابها ، وهو تعالى انـما يُقبل على من يُقبل عليه ..
ولم يكن الإمام الحسين (ع) يُجامل أصحابه حينما قال لهم : ( لا أعلم أصحاباً أولى ولا خـيراً من أصحابي ) .
فهذا برير بن خضير سيد القراء ، وهذا حبيب بن مظاهر الأسدي كان من خواص أمير الـمؤمنين (ع) ، وكان مسلم بن عوسجة صحابياً جليلاً ، ونافع بن هلال كان من الـمجاهدين بين يدي أمير الـمؤمنين (ع) ..
ومثلهم الآخـرون رضوان الله تعالى عليهم جميعاً .
حتى الـحر الرياحي لم يكن معروفاً عنه قبل توبته انه من أهل الفسوق والـمعاصي ، وكان في الطريق يـحترم الإمام الحسين (ع) ويُجلّه , وقد صلى خلفه , ولم يكن يتـصـور ان الأمر سيكون جدياً إلى الـحد الذي وصل إليه ، وعندما أدرك انه صار عندئذ بين الـجنـة والنار ، إختـار الـجنـة قائلاً : ( والله لا أختار على الـجنة شيئاً , ولو قُطّعت وحرقت ) , وتاب توبة نصوحـاً مقبولة بشهادة الـحسين (ع) ، واستشهد بعد ذلك مباشرة ..
وعلى اية حال فقد ورد في الرواية ان الحسين (ع) كشف لأصحابه ليلة عاشوراء منازلهم في الجنة وعرفهم مقاماتهم عند الله تعالى، ولذلك كان احد الانصار مستبشراً ضاحكاً في ساحة المعركة، ولما سُئل عن ذلك اجابهم بما مضمونه انه ليس بينه وبين الجنة الا ان يميلوا عليه هؤلاء فيقتلوه.
هكذا كان اصحاب الحسين (ع) اذا اردنا ان نكون مثلهم احراراً كراماً وكيف لا وهم يسمعون إمامهم وقائدهم يقول للظالمين :
(لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر إقرار العبيد).

ويقول ايضاً :
(فاني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برماً).
وكذلك يقول :
( موت في عز، خير من حياة في ذل).
وهو القائل أيضاً :
(ألا وإن الدعـي ابن الدعي قد ركز بين إثنتين , بين السلة والذلـة ، وهيهات منا الذلة , يأبى الله لنا ذلك ورسوله والـمؤمنون ، وحجور طابت ، ونفوس أبـية , من أن نؤثـر طاعـة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة , مع قلة العدد، وخذلان الناصر) .
ولماذا نخاف من الموت وهو امر لابد منه، وقد قيل ان الشجاع يموت مرة، بينما يموت الجبان الف مرة.
ولذلك نسمع الامام الحسين (ع) يخاطب أصحابه:
(صبراً بني الكرام، فما الموت الا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم).
وأوصى اخته زينب (ع) بقوله :
(يا اختاه تعزي بعزاء الله، واعلمي ان اهل الارض يموتون، واهل السماء لا يبقون، وكل شيء هالك الا وجهه، ولي ولكل مسلم برسول الله اسوة حسنة).
فمحل الشاهد هنا ان الموت امر اعتيادي بالنسبة لكل انسان، وهو يصيب الجامد والمتحرك على حد سواء، فاذا كانت الاهداف السامية والغايات النبيلة واضحة أمام الانسان، وثابتة في قلبه، فالمفروض ان يكون مع الحق مهما كانت المصاعب والنتائج، وكما قال علي الاكبر بما مضمونه ( مادمنا على الحق فلا نبالي وقعنا على الموت ام وقع الموت علينا).
هكذا يجب ان يكون (الحسيني)، فالحسيني الحقيقي ليس بكثرة اللطم والبكاء واقامة المجالس ونحو ذلك ، فان هذا وان كان له اجره وثوابه ، الا ان الحسيني الحقيقي هو الانسان الذي يدرك بوعي حقيقة الحسين (ع) وحقيقة ثورته وقضيته، فيعمل على اساسها، ويقدم لنفسه ما يؤهله ليكون احد الانصار شأناً، ما دام لم يحظ بذلك الشرف فعلاً.
وهذا المعنى يجب ان نضعه امام اعيننا وقلوبنا حينما نردد دائماً في المجالس الحسينية والمحاضرات : ( يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) ..
وليحرص كل واحد منا ان يكون على اهبة الاستعداد دائماً، وان يحافظ على ثباته وولائه واخلاصه وثقته بالله تعالى، فنحن كما قلنا في معركة مستمرة ضد الباطل والانحراف...
( الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار