المقالات والبحوث

لماذا نزور قبور ائمتنا (عليهم السلام) بقلم الشيخ حيدر السعدي

 لماذا نزور قبور ائمتنا (عليهم السلام) بقلم الشيخ حيدر السعدي
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


بسم الله الرحمن الرحيم
جرت سيرة المتشرعة من اتباع مدرسة اهل البيت (سلام الله عليهم) على زيارة قبور الائمة الاطهار ونحن اليوم نريد ان نطرح هذا السؤال :

يا شيعة آل محمد لماذا تصرون وتداومون على زيارة قبور ائمتكم الاطهار ؟

من المعروف لدى جميع المسلمين بأن لزيارة القبور فائدة عظيمة وجليلة , وهي اخذ العبرة والموعظة بتذكر الموت والاخرة . فعندما نزور قبور موتانا نقول لأنفسنا : ان حال هؤلاء الموتى هو حالنا غدا , فمثلما هم اليوم تحت التراب سنكون نحن غدا ايضا تحت التراب .
فهل اعددنا انفسنا لذلك اليوم ؟ هل تهيأنا لسؤال منكر ونكير ؟ او اننا سنسكن قبورنا بدون استعداد ؟
وكلنا يقرأ في دعاء ابي حمزة الثمالي : (فمن يكون اسوء حالا مني إن انا نقلت على مثل حالي الى قبر لم امهده لرقدتي ولم افرشه بالعمل الصالح لضجعتي ) .
اذن لا احد من المسلمين كافة ينكر ان لزيارة القبور فائدة ونفعا , وهي الاتعاظ واخذ العبرة للتهيؤ ليوم الحساب . ولكن هل نحن نزور قبور ائمتنا لأجل ذلك فقط ام ان هناك دوافع اخرى تدعونا وتحثنا على زيارتهم ؟
الجواب : انه من المؤكد ان الفائدة والدافع لزيارة قبور الائمة (عليهم السلام) لا تنحصر بتذكر الموت والاتعاظ بالأجساد البالية والعظام النخرة , والا لكانت زيارة قبور الائمة كزيارة أي قبر من القبور الاخرى . فان اخذ العبرة وتذكر الموت يحصل بزيارة أي قبر من القبور . فهل تقبلون ان تكون فائدة زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه واله) كفائدة زيارة قبر شخص يهودي او نصراني او مسلم فاسق او حتى كزيارة قبر مؤمن من اولياء الله ؟ بالتأكيد كلا . والا لما قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : (من حج ولم يزرني فقد جفاني ) .
اذن المسالة اكبر بكثير من الاتعاظ وتذكر الموت .

قد يقول قائل : ان لزيارة القبور فائدة اخرى فان اهل القبور يفرحون بزيارة الاحياء لهم , ويحتاجون اليها , كما ان قراءة الفاتحة على ارواحهم واهداء الثواب اليهم يخفف عنهم العذاب , ويذهب عنهم وحشة القبر , وفراق الاحباب . وفي هذا السياق يذكر ان احد العلماء الصالحين من ذوي الكرامات زار وادي السلام ذات يوم وسمع انينا من احد القبور فاقبل اليه وجلس عنده واصغى اليه فاذا هو انين امرأة فسألها عما تريد فقالت : لي طفلان صغيران وقد مت قبل ستة اشهر وزوجي لا يأتي بهما الى قبري فسألها العالم عن اسم زوجها ومكان عمله فأخبرته بذلك فاسرع اليه وسأله عن زوجته فقال انها توفيت منذ ستة اشهر وتأكد انه لم يزرها هو وابناه فساله عن السبب فقال اريد ان انسيهما ذكر امهما كي لا يبكيا عليها فشرح له القصة واخبره انها ارسلته اليه وتدعوه الى مجيء ابنيها ولعل في ذهابهما تخفيفا لعذابها او نزول الرحمة الالهية عليها ويشملها الله بحنانه وهو الحنان المنان .
والحاصل ان الموتى في قبورهم يحتاجون الى زيارة الاحياء . فهل نحن نزور ائمتنا لأجل هذا ؟ وهل ائمتنا محتاجون لزيارتنا ؟ ان الجواب بالنفي من ابده البديهيات , فنحن المحتاجون لزيارتهم لا هم من يحتاج لزيارتنا .

فاذا لم تكن زيارتنا للائمة (عليهم السلام) لهذا السبب , وهي ليست للاتعاظ فقط . فيا ترى لماذا هذه الزيارة ؟ ولماذا هذا التأكيد عليها حتى ان المؤمنين يضحون بأرواحهم من اجل نيل شرف الزيارة ؟

وهنا يمكن ان نقول لزيارة الائمة غايات ومصالح عديدة من اهمها :

اولاً : ان من واجبنا تجاه ائمتنا ان نجدد لهم العهد والبيعة على الدوام , فها نحن نقول في زيارة الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف (اللهم اني اجدد له في هذا اليوم وفي كل يوم عهدا وعقدا وبيعة له في رقبتي الى يوم القيامة ) .
فزيارتنا لهم وحضورنا عندهم هو لتجديد البيعة والنصرة .
وقد ورد عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) : ( ان لكل امام عهداً في عنق اوليائه، وشيعته، وان من تمام الوفاء بالتعهد، زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه كانوا ائمتهم شفعاءهم يوم القيامة)

ثانياً : ان لزيارة الائمة اجرا عظيما وثوابا جليلا لا يفوّته الا ناقص عقل او دين . فها هو رسول الله صلى الله عليه واله يقول لأمير المؤمنين عليه السلام ( يا علي من زارني في حياتي او بعد موتي او زارك في حياتك او بعد موتك او زار ابنيك في حياتهما او بعد مماتهما ضمنت له يوم القيامة بان اخلصه من اهوالها وشدائدها حتى اصيره معي في درجتي ) . فهل يوجد عاقل على وجه الارض يفوّت مثل هذه الفرصة ؟ وهناك رواية اخرى تقول (من زار قبر الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء عارفا بحقه كان كمن زار الله في عرشه) . وفي رواية اخرى يسأل الامام الحسين جده الرسول الاعظم صلوات الله عليهم اجمعين ( يا ابه فما لمن يزور قبورنا على تشتتها ؟ فقال يا بني اولئك طوائف من امتي يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة وحقيق علي ان اتيهم يوم القيامة حتى اخلصهم من اهوال الساعة ومن ذنوبهم ويسكنهم الله الجنة ) .
ومن اراد ان يعرف المزيد مما اعده الله لزوار قبور الائمة صلوات الله عليهم من الاج

ر العظيم فما عليه الا ان يطالع كتاب وسائل الشيعة في باب الزيارة .

ثالثا : ان زيارة الائمة هي بنفسها عبادة عظيمة وتقودنا الى اداء عبادات اخرى كالصلاة في الاماكن المقدسة , وقراءة القران الكريم , والادعية الواردة عن اهل بيت الرحمة . فزيارة الائمة تهيأ للمؤمنين الاجواء والبيئة المناسبة للانقطاع الى الله سبحانه وتعالى واداء عباداتهم وطاعاتهم على اتم وجه مما قد لا يتاح لهم عندما يكونون في ديارهم ومنازلهم .
رابعا : ان الزيارات المخصوصة كزيارة الاربعين والنصف من شعبان والغدير وغيرها تكون سببا لاجتماع المؤمنين من كل حدب وصوب . وهذا الاجتماع المليوني يعكس مدى قوة ابناء المذهب ويعطي لهم هيبة في عيون اعدائهم , وهو بلا ريب يدخل الفرح والسرور على قلب رسولنا الاكرم واهل بيته الاطهار (صلوات الله عليهم اجمعين) وفي نفس الوقت يدخل الغم والحزن على اعدائهم ولذلك نرى ان القنوات الاعلامية المبغضة لأهل بيت النبوة تتغافل عن نقل هذه التجمعات المليونية بينما تنقل تجمع عشرة او مائة فرد يقيمون حفلا او تظاهرة سياسية او ما شابه ذلك وهذا يظهر مدى غيضهم وبغضهم لمثل هذه التجمعات المباركة التي صارت شوكة في عيون الاعداء .

خامسا : ان تاريخنا ينقل لنا ان موسم الحج سابقا كان فرصة للمؤمنين للالتقاء بالأئمة (سلام الله عليهم) للسؤال عن معالم دينهم والتزود من فيوضاتهم وتجديد البيعة لهم . وزيارة قبور الائمة في زماننا هذا فرصة كبيرة للالتقاء بمراجع الدين الكرام (ادام الله بركاتهم) والتزود من فيض علمهم , وتجديد الولاء لهم . وهو في حقيقته تجديد ولائنا للإمام المهدي (سلام الله عليه) فانهم نوابه وممثلوه .

سادسا : ان هذه الزيارات وخاصة زيارة الاربعين كشفت لنا عن طاقات وقدرات كامنة عند الموالين من شيعة اهل البيت . فان الثوابات والخيرات التي تقدم لزوار الحسين (عليه السلام) تعجز عن توفيرها دولة بمؤسساتها . الا ان هؤلاء المؤمنين لما كانوا معتقدين بالإمام الحسين وبالأجر العظيم الذي يعود اليهم من خلال خدمة زواره تكاتفوا لتقديم ما نعجز عن وصفه وتعداده من انواع الطعام والشراب وسبل الراحة التي تكلف المليارات , ومع ذلك فهم يبذلونها بطيب خاطر . بل ويصرون على بذلها في كل عام . بل ويتعاهدون على ان يقدموا في كل عام اكثر مما قدموه في العام الذي سبقه .
ونحن هنا نبارك لهؤلاء المؤمنين هذا الفعل العظيم الذي لا يصدر الا عن قلوب فاضت بمحبة الحسين (عليه السلام) ونحب في نفس الوقت ان نقول :
ان المؤمنين عندما تكاتفوا فعلوا ما عجزت عن القيام به الدولة , واظهروا انهم قادرون على فعل كل ما يريدونه ويسعون اليه ما داموا معتقدين بصحة ذلك العمل. فنقول للمؤمنين الذين يصرفون جهدهم واموالهم في سبيل خدمة الزوار , ولادامة الزيارة : اعلى الله شأنكم ومكانتكم ووفقكم للمزيد ونتمنى منكم ان تتكاتفوا ايضا للاخذ بيد الفقراء وانتشالهم من واقعهم المأسواي , فاننا لو تكاتفنا واقمنا في كل منطقة من مناطقنا صندوقا لاعانة الفقراء لما بقي فقير في مناطقنا.
لنجعل هذا العمل ايضا لاجل ائمتنا , ولادخال السرور على قلوبهم .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار