أخبار اسلامية

حول إشكاليةحساب الاشهر العربية وتفسير كلمة النسيء

حول إشكاليةحساب الاشهر العربية وتفسير كلمة النسيء

مقال للشيخ حسن عطوان
حول إشكاليةحساب الاشهر العربية وتفسير كلمة النسيء

(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف.


 طُرح مؤخرا بحث مفاده : إن النسيء يعني أن يضاف للتقويم شهر قمري كل ( 32 ) شهر قمري لإجراء عملية التقويم ، فالتقويم السنوي للأشهر بمعنى إعادة الأشهر التي تنحرف عن أماكنها الموسمية بمقدار شهر قمري كامل كل ( 32 ) شهرا قمريا ، بإضافة شهر التقويم رقم ( 33 ) الذي يسمى حسب لسان قريش العربية : الشهر النسيء ، بمعنى الشهر الذي يأتي متأخراً ، علماً أنه الشهر الذي يضاف في كل تقاويم العالم القمرية لتقويم إنحرافها عن مواسمها الفصلية ، وعليه : فكلمة ( النسيء ) في القرآن الكريم بمعنى شهر التعديل والتقويم حيث جاء فيه : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) [ التوبة : ٣٧ ] ، والشهر النسئ شهر كبيس ، اذا أضيف الى أشهر السنة لا يُعد من بينها ولا نقول إذا أضيف على سنة أن عدد أشهرها قد أصبح ثلاثة عشر شهرا ، بل تبقى السنة بأشهرها الإثني عشر المعروفة ، بينما الشهر النسيء الكبيس وظيفته الوحيدة تقويم الإنحراف الذي حصل للأشهر عن مواسمها كي تعود أشهر الربيع الى فصل الربيع وأشهر الجماد الى فصل جماد الحبوب والحصاد وأشهر الحج الى فصل الشتاء ، الفصل الأفضل بالنسبة لمناخ مكة الصحراوي ليكون موسما للحج وفتح الأسواق فيها حيث يكون الطقس رائعا والحرارة معتدلة ، علما أن شهر رمضان في حال استعادة تطبيق الشهر النسيء في التقويم العربي سيعود بعدها ليأتي في فصل الخريف في شمال الكرة الأرضية وفي فصل الربيع في جنوبها ، وفي هذين الفصلين يتساوى طول الليل مع طول النهار في كل قارات الكرة الأرضية ، بينما في فصل الصيف يطول النهار ، لذا فإن إلغاء شهر النسيء من التقويم يعني إلغاء عملية التقويم أصلا . وقيل أيضا : " لتسهيل فهم الآية فهما منطقيا منطلقا من حقيقة مبدئية تقول أن الزيادة في الكفر لم يكن من استخدام شهر التقويم ، النسيء ، بل كانت لما يقوم به الذين كفروا من عملية إضلال للمؤمنين بتغيير طول فترة الأشهر الحرم من عام إلى عام آخر : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ، علما أن التغيير في التشكيل قد حصل في الكلمتين التاليتين من تلك الآية : ( إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ) ، حيث قرأوا كلمة ( زيادة ) بتنوين آخرها بالضمة ، لتكون إقرارا بأن استخدام شهر التقويم : النسيء هو زيادة في الكفر ، بينما إن تركناها كما هي في المصحف الأثري الموجود في إستانبول بدون تشكيل ، عندها يمكن لعلماء اللغة والدين تصحيح تشكيلها حسب مقاصد الآية ، وذلك بتنوين آخر تلك الكلمة : ( زيادة ) بالفتحة المنونة بدلا عن الضمة المنونة ، عندها تصبح عبارة : ( زيادة في الكفر ) جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب . كذلك كلمة : ( يضل ) التي شكلت في المصاحف التي نسخت في دمشق عن الأصل مبنية للمجهول ، أي بضم الياء وفتح الضاد ، وهذا يعني أن فاعل الضلالة في الأرض مجهول ، بينما إن أعدنا تشكيلها بكسر الضاد ، كما جاءت في قراءة ورش عندها يصبح فاعل الإضلال هم : ( الذين كفروا ) " . [ انتهى كلامه ] . ⏹ أقول : في معنى النسئ إحتمالان : الأول : ولعله المشهور ، أن المراد به : تغيير الاشهر الحرم ، إذ كان العرب يقررون حلية شهر حرام في عام ما ويحرمون احد الاشهر الحلال للمحافظة على العدد ، فمثلا يحرمون شهر صفر بدل محرم ، فكانوا يحلون المحرم ، فيستحلون القتال فيه ؛ لطول مدة التحريم عليهم بتوالي ثلاثة أشهر محرمة ( وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ) ، ثم يحرمون صفر مكانه . الثاني : هو ماذُكر أعلاه ، وهو مذكور في بعض التفاسير مع فارق : هو ان هذا البعض يريد تصحيحه ، بينما حتى التفاسير التي تحتمله تصفه تبعا للقرآن الكريم بأنه زيادة في الكفر . ⏸ ولسان الآية الكريمة صريح في المعنى الاول ، وذلك لعدة قرائن ، منها
 1: ان الاية السابقة تحدثت عن الأشهر الأربعة الحرم ، قالت : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) [ التوبة : ٣٦ ] .
 2 : أن الآية الكريمة التي ذكرت ( النسئ ) والتي هي محل البحث ، قالت : ( يحلونه عاما ويحرمونه عاما ) وهو يناسب المعنى الاول . 3: الاية قالت : ( ليواطئوا عدة ماحرم الله ) ، أي ليحافظوا على عدد الأشهر الحرم فحسب ، وهذا صريح في المعنى الأول . ⏸ وعلى فرض صحة أن المراد بالنسئ المعنى الثاني وان العرب كانوا يضيفون شهرا قمريا كل ( 32 ) شهرا قمريا ، فعلى كل حال ، القرآن الكريم وصف النسئ _ سواء كان بالمعنى الأول او الثاني _ بأنه ( زيادة في الكفر ) . ⏸ وأما على قراءة ورش ، بقراءة لفظة ( زيادة ) بالفتحة المنونة بدلا عن الضمة المنونة ، عندها تصبح عبارة : ( زيادة في الكفر ) كما قيل جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب . كذلك كلمة : ( يضل ) إن أعدنا تشكيلها بكسر الضاء لابفتحها ، كما جاءت في قراءة ورش ، عندها يصبح فاعل الإضلال هم : ( الذين كفروا ) ، فعلى فرض صحة هذه القراءة فلن يغير ذلك من ذم القرآن لفعل النسئ ؛ لان الاية الكريمة افادت ايضا : ان فعلهم هذا انما هو لأجل أن يحلوا ماحرم الله ، ووصفت عملهم هذا بالسئ ، قالت الآية المباركة : ( زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ) ، بل اشارت في نهايتها الى انهم قوم كافرون . ⏹ نعم من حقه أن يقول بعد ذلك _ كما لعله يقصد _ ان الاية الكريمة بصدد ذم النسئ بالمعنى الاول لا الثاني ، فلماذا لانأخذ بهذه الطريقة لتقويم التاريخ الهجري فتحافظ الأشهر القمرية على موقعها في الفصول الاربعة ، مادام معنى النسئ المذموم قرآنيا أجنبي عن المعنى الذي نحن بصدده ؟! وأقول : على فرض ذلك فإن هذه الطريقة من الحساب لو كانت مرضية لذكرها النبي وأهل بيته ( عليهم أفضل الصلاة والسلام ) بل وعامة المسلمين ، لاسيما وأن المسألة إبتلائية ، ولو كانت قد ذُكرت من قبل المعصوم لكثر السؤال عنها وشاعت ولوصلنا شئ من ذلك ، على أن أول من أثار الفكرة شخص أشكل فيها على الرسول الأكرم ، أما ما أثاره السيد المتحدث المؤيد لفكرة إضافة شهر لكل ( 32 ) شهر ، من تساؤل عن سبب الفرق في الحساب بين السنة الهجرية والميلادية  ، وأن الهجرة النبوية كانت في سنة ( 622 ) ميلادية ، والآن نحن في سنة ( 1438 ) فالمفروض اننا نكون الآن في سنة ( 2060 ) ميلادية ، بينما نحن في سنة ( 2017 ) والفرق ( 43 ) سنة .
 فجوابه : بين السنة الهجرية والسنة الميلادية في بدايتهما كان الفرق( 622 ) سنة ، إلا أن هذا الفرق يتضاءل رويدًا رويدًا ؛ فالسنة القمرية ( 354 ) يومًا و8 ساعات و48 دقيقة تقريبا ، وعدد أيام السنة الميلادية ( 365 ) يومًا و6 ساعات و 9 دقائق تقريبا ؛ على ذلك يكون الفرق بينهما 10 أو 11 أو 12 يومًا ، ويتوقف ذلك على ما إذا كانت إحداهما أو كلتاهما كبيسة. يتضح من ذلك أن كل 33 سنة هجرية تعادل 32 سنة ميلادية على وجه التقريب لا التحديد، فالسنة الهجرية أقل من الميلادية ب ( 10 أو 11 أو 12 ) يوما تقريبا ، فاذا ضربت ( 1438 ) في ( 11 ) مثلا وقسمت الناتج على عدد ايام السنة الهجرية التي هي ( 355 ) تقريبا ، فتكون النتيجة = ( 44 ) سنة تقريبا ، وهي نتيجة مقاربة للفارق المذكور ، فهذا هو سبب الفارق الذي أشكل به جناب السيد .
والحمد لله رب العالمين

----------------------------------------------------------
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
© Alhawza News Agency 2017

 

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار