المقالات والبحوث
مشروعية نظام الحكم في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) القسم الثاني
![مشروعية نظام الحكم في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) القسم الثاني](https://alhawzanews.com/upload_list/source/News/df_pic_news.jpg)
مشروعية نظام الحكم في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) القسم الثاني
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف.
ولكي نقترب من مشروع الصدر وحلمه : يمكن أن نطرح شكلا للدولة الاسلامية لعله أقرب الى نظرية الميرزا النائيني ( رحمه الله ) في ( تنبيه الامة وتنزيه الملة ) ، إذ يكفي في إسلامية الدولة .
1_أن تنتخب الامة مجلسا بعدد معين فيه اكثرية لفقهاء شريعة ومعهم خبراء قانون تقع عليه مسؤولية كتابة الدستور الاسلامي ، وتقع على عاتق هذا المجلس مراقبة مطابقة القوانين والتشريعات _ التي يشرعها مجلس النواب ، او تُقترح من قبل الحكومة _ للشريعة الاسلامية . وهو المرجع عند وجود نزاع .
2_أن تنتخب الامة عادلا لرئاسة الجمهورية وهو يشكّل حكومته .
3_أن تنتخب الامة مجلسا للنواب يعطي الثقة لأعضاء الحكومة ويشرع القوانين الإجرائية ، ولاتكون نافذة الا بعد المصادقة عليها من قبل مجلس الفقهاء والخبراء . والمهم أن تستند الدولة في جميع تشريعاتها للشريعة الاسلامية ، نعم هي في سعة في الأخذ بالنظرية الفقهية المناسبة عند وجود إختلاف بين الفقهاء . أما الخائفون من تطبيق الشريعة ، فهؤلاء للأسف قد قرأوا الدين من خلال قراءة خاطئة أو مصداق متخلف فأعتقدوا أن تلك القراءة وذلك المصداق هما الدين ولادين وراء ذلك ، فأنعكس ذلك على الدين عندهم ، هذا اذا أحسنّا الظن ، وإلا فالداعي للإنحراف أحيانا هو لأسباب أخرى نفسية وسلوكية ، غاية الأمر أن بعض هؤلاء يُظهرون انفسهم بمظهر أصحاب الإشكالات الفكرية . أحبتي إن المشرعين البشر على طول التاريخ عندما يشرعون يعتقدون انهم درسوا كل التفاصيل ونظروا الى كل الزوايا ، ثم بعد حين يكتشفون وجود خلل فيبدأون بالتعديل لمرة او اكثر ، مع انهم يشرعون لبعض الناس وعلى بقعة من الارض ، فكيف يكون العقل البشري قادرا على تشريع قانون لكل البشرية على امتداد اجيالها ، وللدنيا والآخرة ؟!!! هذه هرطقة يتمسك بها اما جاهل ، أو راغب بالتسيب ، او مَن لديه ردة فعل من تصرفات بعض المحسوبين على المؤسسة الدينية ، او بعض المتدينين ، أو بسبب بعض الفشل في تجربة الإسلاميين ، فتأخذ شياطين الانس والجن بيد مثل هؤلاء وتصور لهم بأنهم عباقرة الدهر !! وهناك جهات معروفة كانت ولازالت تتلقف هؤلاء وتسلط الضوء عليهم وتظهرهم كمفكرين ، مما لامس هوى النفس عندهم بالظهور !! وإلا ففي يوم من الأيام تصدى لخلافة المسلمين يزيد بن معاوية ، فهل نترك الإسلام لأجل ذلك ؟! مع الفارق بالقياس طبعا ، فمهما بلغ الواقع الحالي من السوء فلن يكون بمستوى تصدي مثل يزيد لعنة الله عليه . إن الخلل في تطبيق أية فكرة لايصح أبدا أن ينسحب على أصل تلك الفكرة ، وفي مقامنا : أن بعض الخلل في تجربة الإسلاميين لايصح أبدا أن ينعكس على أصل فكرة الدولة الإسلامية ؛
أولا : لأن بعض هذا الفشل وراءه عوامل وتعقيدات داخلية وإقليمية ودولية ، وليس سببه الوحيد القصور والتقصير عند بعضهم . وثانيا : لم يحكم الإسلاميون في هذه التجربة وفق دستور إسلامي ، بل فُرض عليهم دستور علماني ملغوم .
وثالثا : فشل الإسلاميين لايعني أن الحل في حكم العلمانيين ، فقد حكمونا مايزيد على الثمانين عاما ولم يخلّفوا لنا غير الطغيان والدمار والتخلف . انا لا أنكر وجود مشكلة في عموم الخطاب الديني ، لكن المصاديق التي نعرفها لم تكن مشكلتها منطلقة من سوء ذلك الخطاب ، بل المشكلة عند غالب هؤلاء _ الذين نعرف بعضهم _ ليست فكرية ، بل هي عبارة عن ردود أفعال ومجموعة من العوامل النفسية والسلوكية التي أشرت لبعضها آنفا ، وإلا ماعلاقة المشكلة الفكرية بشرب الخمر مثلا ، ووو ؟؟ هل توجد ملازمة ؟!! من الممكن ان تسبب الإشكالية مع المؤسسة الدينية الى ردة فعل ضدها ، ضد الإسلاميين ! ننعزل ! نعيش صوفية ! كل ذلك معقول ! بينما بعض هؤلاء لم يتوقف عند ذلك !!! أما الإشكال بأن العراق متعدد الطوائف ، فكيف تُطبّق الشريعة الإسلامية فيه ؟ فيرده :
أولا : بأن الشعب العراقي في غالبيته شعب مسلم .
ثانيا : بأن الشريعة الإسلامية تحترم كل الأديان ، فالمعاهدون وغير المحاربين لهم أحكام خاصة ومحترموا الدم والعرض والمال في الدولة الإسلامية ، ودولة الإسلام هي دولة الإنسان بحق .
ثالثاً : بالإمكان جدا تشريع قانون قضائي في المناطق المختلطة يحكم لأهل شريعة أو مذهب كلا على وفق شريعته او مذهبه .
ايها الأحبة : لايكون المسلم مسلما حتى يطبق الشريعة كاملة ، فماذا طبقنا غير العبادات ؟! ماهو الحال في قضائنا الوضعي ؟ في أحكامنا المخالفة لأحكام الإسلام ؟ في مصارفنا الربوية ؟ في بقية معاملاتنا ؟ أعرض لكم جزءً يسيرا من المشكلة : بالنسبة لقانون الاحوال الشخصية الحالي على سبيل المثال ، فمع انه يعتبر جيدا قياسا الى مايناظره من القوانين الوضعية ، إلا ان فيه ثغرات مهمة أوقعت كثيرا من الناس الذين اتبعوا بعض مقرراته في الخطأ الشرعي ، مثلا ، مسألة إعطاء صلاحية التفريق بين الزوجين للقاضي ، فالفقهاء جميعا يفتون ببطلان هذا التفريق ، وبطلان مايترتب عليه ، فزواج المرأة برجل آخر إعتمادا على هذا التفريق يعد باطلا ، بل وتحرم هذه المرأة على الرجل الثاني حرمة مؤبدة ، ولو أنجبت منه أولادا فهم أولاد شبهة . وكذلك مسألة توريث الحفيد ، كما لومات الانسان وترك اولادا وحفيدا من أبن مات قبل والده ، فقانون الأحوال الشخصية الحالي يورثه ، بينما يعتبر الفقهاء مثل ذلك أكلا للمال بالباطل إذا لم يرض بقية الورثة ، وهكذا . وبالنسبة لعموم القضاء الوضعي في غير الأحوال الشخصية ، ففيه من المشاكل الشرعية الكثير ، في مقدمتها ان الفقهاء يفتون بحرمة التقاضي عند ذلك القضاء ، إلا إذا انحصر تحصيل الحق بذلك ، وتحصيل الحق ليس منحصرا بذلك إذا أمكن تحصيل ذلك الحق عن طريق القضاء الشرعي . فلماذا نُوْقع أهلنا وقضاتنا في الحرام ؟! مع اننا يمكن أن نؤسس لمحاكم تراعى فيها أحكام الله سبحانه ، وهل نحن أكثر حكمة في تشريعاتنا ممن خلق هذا الكون والإنسان وشرّع له ؟؟! ( سبحان الله عما يصفون ) . هذا بعض مايمكن طرحه مما يناسب المقام ، وأعلم أن هذا الطرح ربما لن يروق لكثير من الأحبة ، وقد يقال أنه طرحٌ في غير زمنه ، ولكن ( معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون ) . لم يمت باقر الصدر ولن يمت من هو مثله ، يموت فقط عندما نخون مبادئه ونتخلى عن مشروعه وحلمه بإقامة دولة الإنبياء ، الذي ضحى لأجله بحياته وتعرض هو وعائلته الكريمة لظروف من أقسى ماتعرضت له عائلة كريمة في عصرنا الحديث ، ذلك المشروع الذي سعى له من قبله الأنبياء والأئمة والثوار والمصلحون ، نجح بعضهم في إقامته ، ولم ينجح آخرون وقدّموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام ، وهو ذات الحلم الذي نلهج بالدعاء له في كل ليالي شهر رمضان ، في دعاء الإفتتاح : ( اللهم إنّا نرغب اليك في دولة كريمة تُعزّ بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك ) . عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر ( رضوان الله عليه ) ، رائد الثورة الاسلامية وقائدها ومفكرها ومرجعها وإنسانها المظلوم ، واسأله سبحانه أن يوفقنا لنسير على الخط الذي سار عليه .
----------------------------------------------------------
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
© Alhawza News Agency 2017
© Alhawza News Agency 2019