المقالات والبحوث
رشحات نورانية في شرح الخطبة الرمضانية، الشيّخ ميثم الفريجي
رشحات نورانية في شرح الخطبة الرمضانية، الشيّخ ميثم الفريجي
ثم قال (صلى الله عليه وآله) : ( شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات )
لا شك أنَّ لعنصر الزمان تأثيراً في واقع حياة الناس ، فنراهم يولونه اهتماماً خاصاً ويحفظون في ذاكرتهم تأريخ بعض الحوادث اعتزازاً بها ، أو حزناً لها لما فيها من وقائع وأحداث أثرت في وجودهم المادي والمعنوي ، وقد سارت الشريعة على وفق هذا المنهج العقلائي وأضفت عليه الطابع الروحي والمعنوي ، والشواهد على ذلك كثيرة من الآيات والروايات ، فكان لشهر رمضان القدح المعلى ، والأفضلية العليا على باقي الأزمنة والأوقات ، لما أحتواه هذا الشهر الفضيل من المزايا والأحداث المهمّة التي أثرت في صياغة الشريعة وحفظها وهداية الناس وتكاملهم ونزول البركات والرحمات وفيوضات الله عليهم ، ويكفي في ذلك أنه كان الوعاء المناسب لنزول القرآن الكريم
قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ) البقرة : 185
وكان محلاً لليلة عظيمة هي أفضل من الف شهر فيها تقدّر الأمور والأحداث والأرزاق والموت والحياة لجميع الكائنات لمدة عام ، كما قال تعالى :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ ) القدر : 1-5
بل نزول الكتب السماوية فيه ، كما ورد في الروايات ، فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : ( نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان ، ونزل الإنجيل في إثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ، ونزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان ، ونزل القرآن في ليلة القدر ) 1
من هنا أصبح شهر رمضان أفضل الشهور على الإطلاق كما نص النبي صلى الله عليه وآله في كلامه الشريف ، بل انّ كل قطعة زمنية منه هي كذلك فأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ،وساعاته أفضل الساعات .
وما أروع ما جاء في الدعاء الخامس والاربعين من الصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين ( عليهما السلام ): ( أللَّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفَـايَـا تِلْكَ الْوَظَائِفِ وَخَصَائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي اخْتَصَصْتَهُ مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ ، وَتَخَيَّرْتَهُ مِن جَمِيعِ الازْمِنَةِ وَالدُّهُورِ ، وَآثَرْتَهُ عَلَى كُلِّ أَوْقَاتِ السَّنَةِ بِمَا أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالنُّورِ ، وَضَاعَفْتَ فِيهِ مِنَ الايْمَان ، وَفَرَضْتَ فِيْهِ مِنَ الصِّيَامِ ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ مِنَ القِيَامِ ، وَأَجْلَلْتَ فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر )
لذا على المؤمن أن يراعي هذا الزمن المبارك حيث شهر الله الأكبر وعيد أوليائه فيستثمر أيامه وساعاته ، بل ولحظاته في الطاعات والقربات وكل ما يرضي الله تعالى ، ويبتعد عن السيئات والمحرمات ، بل وعن كل ما يشغل عن ذكر الله تعالى ، والكون في ساحة قدسه كي يفوز بجوائز هذا الشهر ولا يكون شقيا او محروماً
وقد ورد ما ينفع في نفس الدعاء :( أللَّهُمَّ وَمَا أَلْمَمْنَا بِهِ فِي شَهْرِنَا هَذَا مِنْ لَمَم أَوْ إثْم، أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبِ وَاكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَة عَلَى تَعَمُّد مِنَّا أَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ، وَاعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ، وَلاَ تَنْصِبْنَا فِيهِ لاِعْيُنِ الشَّامِتِينَ، وَلاَ تَبْسُطْ عَلَيْنَا فِيهِ أَلْسُنَ الطَّاغِينَ، وَاسْتَعْمِلْنَا بِمَا يَكُونُ حِطَّةً وَكَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ بِرَأْفَتِكَ الَّتِي لاَ تَنْفَدُ، وَفَضْلِكَ الَّذِي لا يَنْقُصُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 / الكافي : ج4 ، ح 5 ، ص157
© Alhawza News Agency 2019