المقالات والبحوث
ما مذهب الشيخ المفيد (رحمه الله) في سلامة القرآن من التحريف ؟
ما مذهب الشيخ المفيد (رحمه الله) في سلامة القرآن من التحريف ؟
ذهب الشيخ المفيد (رضي الله عنه) إلى التفصيل الآتي فيما يتعلّق بسلامة القرآن الكريم من التحريف :
إن الأخبار الشريفة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) جاءت مستفيضة في اختلاف القرآن الكريم الموجود بين أيدينا عن القرآن الكريم الذي نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) ، هذا على نحو الإجمال .. فما هو تفصيل هذا الاختلاف ؟
الجواب : هناك أمور يقطع الشيخ المفيد (رحمه الله) بوقوعها ، وهناك أمور يقطع ببطلانها ، وهناك أمور يقول بجوازها من حيث الإمكان ولكن لا دليل على وقوعها بل الدليل قائم على عدم وقوعها ..
أما ما يقطع بوقوعه ، فهو أمران :
الأمر الأول : الاختلاف في ترتيب السور ، بتأخير السور التي من حقها التقديم ، وتقديم السور التي من حقها التأخير ، وهكذا ، فقد قيل بأن أوّل ما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) : (اقرأ باسم ربك ..) مع أنها في المصحف الموجود في هذه الأيام من أواخر السور ، ويرى الشيخ (رحمه الله) بأن وقوع هذا الاختلاف مما لا يرتاب فيه أحد حتى علماء بقية المذاهب .
الأمر الثاني : حذف تأويل الآيات الكريمة أو تفسيرها ، فقد دلت الأخبار الشريفة -كما يميل إليه الشيخ- على أن الوحي كان ينزل بالآية وينزل بتأويلها وتفسيرها أيضا ، وقد سمّى الله تأويله قرآنا كما سمى آياته قرآنا ، فقال : {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن ينقضي إليك وحيه} حيث يذهب إلى أن المراد من العجلة بالقرآن أي العجلة بذكر تأويله وتفسيره للناس قبل أن يأتي الأمر من الله سبحانه ببيانه . فما جاء في الأخبار من التعبير بنقصان القرآن محمول على نقصان التأويل والتفسير ، ولا غرابة في تسمية التفسير والتأويل قرآنا بعد ملاحظة الآية الشريفة وسائر القرائن .
أما ما يقطع ببطلانه ، فهو أمران أيضا :
الأمر الأول : زيادة سورة من القرآن الكريم على نحو يلتبس على الفصحاء فيظنون أنها من كلام الله سبحانه مع أنها ليست كذلك ، فإن هذا ممنوع عقلا وإثباتا .
الأمر الثاني : عدم نقصان كلمة أو جملة من القرآن الكريم ، فإن النقل دل على بطلانه .
أما ما يذهب إلى جوازه وإمكانه ، وقيام الدليل على خلافه ، فأمران أيضا :
الأمر الأول : زيادة كلمة أو كلمتين ، أو حرف أو حرفين ، على نحو يلتبس على الفصحاء فيظنون أنه من كلام الله سبحانه مع أنها ليس كذلك ، فإن هذا وإن كان جائزا في حكم العقول ، ولكنه إذا وقع فيجب أن يدلّ الله سبحانه عباده على مكانه وينبههم على كونه زيادة ولو من طريق المعصوم (عليه السلام) حتى لا يلتبس الحق بالباطل ، ومثل هذه الفرضية غير متحققة في كتاب الله سبحانه ، بل إن الشيخ يذهب إلى سلامة القرآن منها وعدم وقوع هذا الأمر فيه .
الأمر الثاني : نقصان كلمة أو جملة من القرآن الكريم ، فإنه وإن كان جائزا وممكنا خلافا لما ادّعاه بعض المعتزلة ومن تابعهم من استحالته عقلا، ولكن الدليل دل على خلافه وسلامة القرآن الكريم منه .
هذا هو التفصيل الذي يذهب إليه الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى) فيما يرتبط بسلامة القرآن أو تحريفه ، وأنت ترى أنه في غاية التنزيه لكتاب الله سبحانه والتوقير له ، ونتيجته أن الموجود بين أيدينا هو هو الذي نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولكنه يختلف عنه في أمرين فقط : ترتيب السور ، وحذف التفسير والتأويل الذي كان ينزل مع الآيات نفسها .
راجع -إن شئت- نص كلامه (رحمه الله) في أوائل المقالات ص ٨٠ - ٨١
© Alhawza News Agency 2019