المقالات والبحوث

" الإسلام والعزة رسالة موقف " الشيخ عماد مجوت

 " الإسلام والعزة رسالة موقف  "    الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

" الإسلام والعزة رسالة موقف  "

 

الشيخ عماد مجوت 

 

بعيدا عن الإنتماء ، والقناعات السياسية ، وصياغات الإعلام، واصطفافا مع منطق الإيمان والدين الداعي إلى الحب في الله  والبغض فيه ، الذي من دخله كان أمنا من سلطان الهوى ،ومتابعة الردى ، يأتي موقف النصرة لله وأهل الإيمان من منطلق مبدأية المواقف التي يجسدها قوله تعالى  

"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " (آل عمران:139)  

فقوله{ ولا تهنوا }نهي عن إيجاد أسباب الوهن والضعف الذي يدب إلى الجسد كقوله تعالى  : ( وهَن العظم منِّي ) [ مريم : 4 ]   وأصله ضعف الذات : الناشىء عن إستشعار الضعف والأنهزام أمام المقابل , فينقلب حال الشجاع جبناً, والأمل قنوطا , والأعتزاز ذلاً واليقين شكا . 

وكذا الحزن الذي أصله التأسف والأنكسار إلى حد الأستسلام , فيجمع الوهن والحزن حالة الأنكسار والهزيمة النفسية التي يفقد معها عنصر المواجهة . 

ومن هنا نهي عنهما لكونهما مقدمات لحالة الأستسلام , ثم عقبه تعالى بقوله تعالى : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }, ففي الوقت الذي هو خطاب يبعث على الأعتزاز , هو خطاب يمنع أسباب الأنهزام من الوهن والحزن , نعم قوله تعالى { إن كنتم مؤمنين }, على نحو الشرط , أي بمعنى ثبوت العلو, الباعث على العزة مشروط بالإيمان , كما في قوله تعالى:" وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا " (النساء:141) . 

ولما كان مقتضى الإيمان العلو بالحق وعدم الأستسلام كان ملزماً بعدم الخضوع والخنوع للغطرسة والتكبر لأنه خلاف النهي عن الوهن والحزن , كما في قوله تعالى :" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" (محمد:35) . 

وينبغي لمن يحمل الإيمان أن يأخذ بنظر الأعتبار مسألتين , أن العدو يألم أن كان للمؤمن ألم , وأن المؤمن يرجو من الله ما لا يرجوه غيره , قال تعالى :"وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء:104) .  

ولا ينافي منطق العزة والعلو الذي ينبغي للمؤمن أن ينقاد للسلم ويجنح له , فيما إذا أراد العدو ذلك , وهو ما يدعو إليه القرآن الكريم بقوله : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ .. (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (الأنفال:60-61) . فمع الإعداد للقوة التي ترهب العدو , فان منطق السلم حاضر فيما لو توفرت مقدماته ورغب العدو فيه . 

واليوم يمثل هذا المنطق القرآني الثقافة التي ينبغي ان يشبع بها جيل الشباب , بعد أن سلبت منه الهوية الإسلامية , وغابت عنه ثقافة القرآن , وضاع وسط صراع الزعامات , وكذبة الأوطان , على حساب الإيمان والدين , فصار يحب على غير الدين , ويكره على غيره . 

ثم التلبيس الأكبر بعد كذبة الأوطان , بمفهوم النأي بالنفس , فلا هو للحق ناصر , ولا للباطل خاذل , كما وصف أمير المؤمنين عليه السلام مَنَ زعم أنه يقف على التل ! فقال عليه السلام :" أَيُّهَا اَلنَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ اَلْحَقِّ وَ لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ اَلْبَاطِلِ لَم يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَ لَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ لَكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ ؟ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ وَ لَعَمْرِي لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ اَلتِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ اَلْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَ قَطَعْتُمُ اَلْأَدْنَى وَ وَصَلْتُمُ اَلْأَبْعَدَ " ( الخطبة: 146) . فمع العقيدة لا يوجد وقوف على التل فضلا عن الوقوف مع غير الحق . ومن يروج لذلك فليعد للوقوف أمامه تعالى برهانا . 

 

إن الحق يعلو ولا يعلى عليه , مقتضى العقيدة الوقوف مع الإيمان واهله , ومن يرفع رآية الإيمان أحق بالنصرة , وشد الأزر , فإن كان صادقا فهو مقتضى التكليف وشد الأزر , وإن كان كاذباً فعليه وزره , ولنا عزة الدين وعلوه . 

إن ما يتعرض له أهل الإيمان اليوم في البلاد الإسلامية , هو ميدان أختبار الدين , والهوى , فمن إنقاد للرجال فهو تابع هوى , ويكفيه أن يشاهد عاقبة أهل الهوى , ومن إنقاد للدين ونصره , فهو تابع للرحمان ناصر لدينه , يسجل أسمه في سجل العزة والكرامة . 

وهذا لا يعفي أهل الإيمان من القيام بما يتوجب عليهم من إقامة العدل وخدمة المستضعفين , والأنتصار بالحق دون الباطل , ولهم عبرة بغيرهم ممن رفع شعار الدين ثم كان أداة بيد أعدائه ضد المؤمنين , ثم الهوان وذهاب الجناب . 

ولا يغير من حال الدين حال , فمن ينصر

 

الله تعالى فهو ناصر لنفسه , ومن يتولى فعلى نفسه :"وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (الحج:41) . 

إن الوقوف مع أهل العقيدة والإيمان تقوية لأهل الحق ، وكسر لشوكة الباطل ، ولا يعني ذلك نصرة جهة بعينها ، أو توجه بعينه، بقدر ما هو نصرة لعنوان الحق والدين، وهو ما ينبغي أن يقال ويفعل . 

وعلى الأخذين بجيل الشباب نحو عناوين الوطن ! والابتعاد عن المحاور ! واخرجنا من بينهم سالمين أن يعيدوا حساباتهم مع الله تعالى وكتابه ولا يكونوا مصداقا بقوله تعالى ﴿وَلا تَلبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ وَتَكتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾[البقرة: ٤٢] . والحق شهادة لا ينبغي كتمانها ﴿ وَلا تَكتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَن يَكتُمها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ عَليمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣]

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار