المقالات والبحوث

ولادة الامير في كعبة القدير

ولادة الامير في كعبة القدير
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم: صفية الجيزاني

في ذلك اليوم المفعم بالنور،الجو رائق،الفراشات نشرت اجنحتها الملونة،البراعم تتفتق تحت انداء الفجر،الطيور ملئت تغاريدها الفضاء ،كل ما في الكون متأهب.. السماء ؛ تسبيحات الملائكة وكأنها تبشر عن حدث فريد، الارض تكاد تضحك للسماء، كل شيء عليها يصدر نداءا.. الاشجار، الجبال، البحار، الرمال.. يوم لم يحتويه زمان. فقد آن للنور ان يشق طخياء الظلام. آن له ان ينشر شذاه في ربوع البسيطة ، ينير غلس الليل البهيم والايام الحالكات.. لقد حان لشمس علي (عليه السلام) ان تشرق. 

كانت ولادة علي ابن ابي طالب حدثا تأريخيا فريدا، فقد اطل على هذه الدنيا في اقدس مكان في العالم، في جوف الكعبة المشرفة، شاءت المشيئة الالهية والحكمة الربانية ان يولد ولادة استثنائية، كانت امه المباركة تطوف بالبيت العتيق، فأجاها المخاض، لجأت فاطمة بنت اسد الى ربها شاكية باكية، متعلقة بأستار الكعبة، تحمل في أحشائها جنين العظمة، فما لها غير بارئها القدير..وفي حمأة الشدة وبقلب ملهوف قد ملأه الخوف والوجل ووجه قد علاه الشحوب وبصوت متهدل تمتمت بكلمات حزينة متضرعة له بالدعاءبأن يسهل عليها ولادتها ، وما ان اكملت كلماتها النورانية حتى انشق جدار المستجار، فأتاها النداء من رب السماء، أن ادخلي الى جوف الكعبة...فلبت النداء، وبعد حين تدفقت انفاس الوليد العظيم في البيت الكريم.. هدية السماء الى الارض.. خرجت فاطمة من اعماق كعبة القدير وهي تحمل الدر المنير، جوهرة الزمان وأعجوبة الرحمن كأنه الفذ في عالم البهاء قمر فاق بنوره اشعة النجوم ، مفخرة الاسلام وكمال الدين أمير المؤمنين، قائلة:((معاشر الناس، ان الله عز وجل أختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن كن قبلي، وقد أختار آسية بنت مزاحم، فأنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه الا اضطرارا، وإن مريم بنت عمران اختارها الله حيث يسر ولادة عيسى (عليه السلام) فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الارض حتى تساقط عليها رطبا جنيا؛ وإن الله اختارني وفضلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين، لاني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها؛ فلما أردت ان اخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال :يا فاطمة سميه عليا، فأنا العلي الاعلى، وإني خلقته من قدرتي و عزتي وجلالي ، و قسط عدلي، واشتقت اسمه من اسمي....) "1.

وهكذا اعلنت السماء عن سطوع نور علي الرباني، قبسة من قبسات التجلي لشأن واهبه العظيم، فأنطلقت البشائر الى ابي طالب فأقبل وأهل بيته مسرعين وقد غمرت الفرحة قلوبهم، وراحوا يتناقلون الوليد، و رفعته الاكف الهاشمية حتى انتهى الى ابن عمه محمد صلى الله عليه وآله، لقد كان نبي الرحمة يقضي له بعض ماهو على أمه، يسقيه اللبن، ويهز مهده ويناغيه، ويضمه الى صدره المبارك، ولم يزل علي (عليه السلام ) مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فشاءت الحكمة البالغة وارادة القدير النافذة ان يرتضع علي لبان الكمال من معينه،وهذا ما كان يؤكده عليه السلام بقوله :(وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة،والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وانا وليد يضمني الى صدره،ويكنفني في فراشه،ويمسني جسده،ويشمني عرفه،وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه،وما وجد لي كذبة في قول،ولا خطلةفي فعل)"2 .فعلي(عليه السلام) من محمدصلى الله عليه وآله يتبعه اتباع الفصيل اثر أمه، كان نعم الاخ والوزير وخير عون له في إتمام الرسالة الالهية. وكما دخل أمير المؤمنين عليه السلام الى هذه الدنيا من بيت الله ، فقد خرج منها حين أقبل عليه الموت -على يد اشقى الاشقياء-من بيت الله .

فسلام على سيد البلغاء وأمير الامراء يعسوب الدين وسيد العارفين أمير المؤمنين...

...........................................

1منتهى الامال للشيخ عباس القمي ج1ص206

2-بحار الانوار ج14ص475. 

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار