المقالات والبحوث

التميز وأضواء النجاح " رؤية قرآنية" الشيخ عماد مجوت

التميز وأضواء النجاح " رؤية قرآنية"  الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

الشيخ عماد مجوت

    ان تكون متميزا نقطة شروع نحو الكمال ، والخروج عن المألوف تحول نحو طريق التميز ، والتميز لباس السعادة ، حيث يتزين به من يبحث عن الجمال الحقيقي. وحب الجمال أمر فطري ، فيكون التميز ضوء يهدي له . 

 والتميز شعور يعيشه الإنسان مذ طفولته ، ويتمناه في داخله ، ويسعى إليه حتى في شيخوخته، فيطلب تأمينه وسط محيطه ، وجغرافيته، بل يتمنى أن يمتد من عمق التأريخ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما في قوله تعالى : ﴿قالَ رَبِّ اغفِر لي وَهَب لي مُلكًا لا يَنبَغي لِأَحَدٍ مِن بَعدي إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ﴾[ص: ٣٥] . 

بل حتى في القيامة يشكل التميز قانونا تكوينيا يكشف عن التميز في دار الدنيا ، كما في قوله تعالى : ﴿وَإِذا رَأَيتَ ثَمَّ رَأَيتَ نَعيمًا وَمُلكًا كَبيرًا * عالِيَهُم ثِيابُ سُندُسٍ خُضرٌ وَإِستَبرَقٌ وَحُلّوا أَساوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقاهُم رَبُّهُم شَرابًا طَهورًا * إِنَّ هذا كانَ لَكُم جَزاءً وَكانَ سَعيُكُم مَشكورًا﴾[الإنسان: ٢٠-٢٢] . فالتميز بالنعيم والملك الكبير ، كان جزاءا، للتميز في الدنيا . 

غير أن المهم في موضوعة التميز هو ما يتمايز به المؤمن عن غيره، سواء كان أخا له في الدين أو نظيرا له في الخلق ، وبالخصوص مع الدعوة إلى المسابقة في الكمالات والتحلي بالفضائل : ﴿إِنَّ الَّذينَ هُم مِن خَشيَةِ رَبِّهِم مُشفِقونَ * وَالَّذينَ هُم بِآياتِ رَبِّهِم يُؤمِنونَ وَالَّذينَ هُم بِرَبِّهِم لا يُشرِكونَ * وَالَّذينَ يُؤتونَ ما آتَوا وَقُلوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم راجِعونَ * أُولئِكَ يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَهُم لَها سابِقونَ﴾[المؤمنون: ٥٧-٦١] . فأنظر إلى (مشفقين، بِآياتِ رَبِّهِم يُؤمِنونَ ، هُم بِرَبِّهِم لا يُشرِكونَ ، يُؤتونَ ما آتَوا وَقُلوبُهُم وَجِلَةٌ ) ، تجد جميعها نقاط تميز . 

ثم أن هناك ثمة فرق بين تميز العالي والمتعالي ، بين تميز الحقيقة والرقيقة ، بين تميز الإبداع والمتاع  

ومنه كان البحث عن تميز الكمال والجمال الحق عن غيره، تميزا في حد ذاته مقدم على كل تميز ؛ فلا يشتبه عليه السراب والماء، فإن قارون كان متميزا بزينته حتى فتنت الناس ولكنه تميز متاع لا إبداع ، قال تعالى : ﴿فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ في زينَتِهِ قالَ الَّذينَ يُريدونَ الحَياةَ الدُّنيا يا لَيتَ لَنا مِثلَ ما أوتِيَ قارونُ إِنَّهُ لَذو حَظٍّ عَظيمٍ﴾[القصص: ٧٩] . فأشتبه الحال عند من لم يكن من أهل البصيرة في حقيقة التميز بين الحال والخيال ، فكان ميزان أهل البصيرة ميزان الأعتدال : ﴿وَقالَ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوابُ اللَّهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا وَلا يُلَقّاها إِلَّا الصّابِرونَ﴾[القصص: ٨٠] . فكان أول الطريق أن يفرق بين ما عند أهل البصيرة، وأهل الدنيا في ميزان التميز .

 

 ♦أضواء الريادة  

وفي هبوب رياح الفرقان المفصل كشف لحقائق نور القرآن المحكم ، تقله للقلب الطالب لعزيمة الحياة ، فإذا هو يخرج شطأه، ليستوي نورا هاديا ، يقول تعالى : ﴿قَد جاءَكُم مِنَ اللَّهِ نورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ * يَهدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ بِإِذنِهِ وَيَهديهِم إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [المائدة: ١٥-١٦] . فكان الهادي لكل تميز وجمال .

 

  وهنا جملة سمات منها :   

١_ الوعي الإيماني الذي من خلاله ينظر إلى العواقب ، ويحسب للمستقل حسابه ، كما في قوله تعالى :﴿أَفَمَن يَمشي مُكِبًّا عَلى وَجهِهِ أَهدى أَمَّن يَمشي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾[الملك: ٢٢] . فالحصافة ورجاحة العقل تميز المؤمن عن غيره ، ومفتاح الإستقامة ملازمة التقوى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجعَل لَكُم فُرقانًا وَيُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ﴾ [الأنفال: ٢٩] . ومع هذا الفرقان يخرج عن المشي مكبا على وجهه ﴿أَوَمَن كانَ مَيتًا فَأَحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نورًا يَمشي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ مِنها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلكافِرينَ ما كانوا يَعمَلونَ﴾[الأنعام: ١٢٢].  

 ٢_ الخطاب المتميز بمفرداته ، حتى يشد المخاطب ، ليتفاعل معه لا شعوريا ، فإن طريقة خطاب سليمان على نبينا وآله وعليه الآلاف التحية والسلام ، قد شد الملكة الحكيمة بمفرداته حتى وصفته بالكريم ، قال تعالى: ﴿اذهَب بِكِتابي هذا فَأَلقِه إِلَيهِم ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُم فَانظُر ماذا يَرجِعونَ * قالَت يا أَيُّهَا المَلَأُ إِنّي أُلقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَريمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيمانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ﴾[النمل: ٢٨-٣٠] . فهو متميز ، عن ألالآف الكتب غيره ، فكان صاحبه متميزا .  

٣_ الإحسان إلى الناس ، حيث يكون فعل الخير سجية له ، كما عرف به يوسف على نبينا وآله وعليه الآلاف التحية والسلام ، حيث خيل

لأخوته أن ما عليه من مكانة سياسة وإجتماعية تميزا له بقولهم : ﴿قالوا تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينا وَإِن كُنّا لَخاطِئينَ﴾[يوسف: ٩١] . وقد نبههم عليه السلام إلى أن ما عليه ليس تميزا وأنما هو جزاء التميز بقوله عليه السلام: ﴿قالوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يوسُفُ قالَ أَنا يوسُفُ وَهذا أَخي قَد مَنَّ اللَّهُ عَلَينا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ﴾[يوسف: ٩٠] . وهي الحقيقة التي ذكرها القرآن بقوله : ﴿وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيناهُ حُكمًا وَعِلمًا وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ﴾[يوسف: ٢٢] .فهو جزاء لعنوان الإحسان، الذي كان يعرف به من قبل حتى في السجن ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنّي أَراني أَعصِرُ خَمرًا وَقالَ الآخَرُ إِنّي أَراني أَحمِلُ فَوقَ رَأسي خُبزًا تَأكُلُ الطَّيرُ مِنهُ نَبِّئنا بِتَأويلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ المُحسِنينَ﴾[يوسف: ٣٦] . وبعد أن أصبح عزيزا لمصر حين قيل له : ﴿قالوا يا أَيُّهَا العَزيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيخًا كَبيرًا فَخُذ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ المُحسِنينَ﴾[يوسف: ٧٨] . فالعلامة المميزة لشخصه هي الإحسان . 

 ٤_ النقاء والطهارة، بحيث يكون مضربا للأمثال والمقايسة للعفة والصلاح كما في قوله تعالى : ﴿يا أُختَ هارونَ ما كانَ أَبوكِ امرَأَ سَوءٍ وَما كانَت أُمُّكِ بَغِيًّا﴾[مريم: ٢٨] .فمع ما تعرف عليه مريم عليه السلام من العفة والطهارة والتبتل، إلا إنها قيست إلى هارون لأنه مضرب الأمثال في ذلك .

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار