المقالات والبحوث

إضاءات معرفية في شهر الله الفضيل الحلقة السابعة والعشرون

إضاءات معرفية في شهر الله الفضيل الحلقة السابعة والعشرون
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عباس الناصري 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى كما هو أهله، وصلى على نبيه وآله الطاهرين

** إضاءات معرفية في شهر الله الفضيل

 

* الإضاءة السابعة والعشرون: العبادة في الإسلام، حقيقتها ومساحتها

 

# قال تعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))(1).

 

 # ينظر القرآن الكريم إلى العبادة نظرة مميزة، ويُوليها اهتماماً مؤكداً، قال تعالى: (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ))(2). فنهى عن عبادة غيره، من الآلهة المزعومة، والطواغيت، والشياطين، والهوى. ثم بيّن أنها غايةُ خلق الإنسان، وجعلِه خليفة في الأرض: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)).

 

# والعبادة في الإسلام منهج متكامل، يُقصد منه الوصول، إلى أبعد مرحلة من مراحل التكامل البشري، قال تعالى: (( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))(3)، فيتنزّه الإنسان عن الشك والوهم، ونتائجهما من النقص والانحطاط.

 

# لقد شرّع المولى تبارك وتعالى العبادات؛ لتزكية النفس والبدن، ولتطهير الذات، وتنمية الروح والإرادة، ولتوجيه رغبات الجسد والغريزة. فالعبادة في الإسلام، تشريعٌ ذات بعدٍ فطريٍّ، له طبيعة اجتماعية حركية، لا يؤمن بالفصل بين الدنيا والآخرة، ولا يدعو الى محاربة حاجات الجسد، من الطعام، والشراب، والزواج، والراحة؛ بدعوى أنها تعارض التكامل الروحي. بل يؤمن بأن هدف الجسد والروح، من حيث التكوين الفطريّ واحدٌ، كما أن منهاج تكاملهما واحد أيضا.

 

# وقد ورد في علل جعل العبادات، أنه تعالى جعل الصلاة؛ تنزيهاً للإنسان من الكبرياء والتعالي، ولقاءً مع الله؛ للاستغفار من الذنوب، وشحذاً لهمّة النفس وقيادتها في طريق التكامل. وأنه تعالى جعل الصوم؛ ترويضاً للجسد، وتقوية للإرادة، من أجل رفض الخضوع للشهوات.

 

# كما جعل الدعاء؛ تنشيطاً لقوة الشعور الروحي، وتوثيقاً للصلة الدائمة بالله، ليحصل الاستغناء الذاتي بالله عمّن سواه، فيلجأ إليه المؤمن في شدائده، ليَمدّه بالعون، فتطمئن نفسه، وتزداد ثقته بقدرته على الاستمرار في مواجهة التحديات.

 

# أيُّها الأحبة، إن للعبادات آثارا اجتماعية مهمة جدا، إلا أننا سنركز هنا، على الآثار الفردية لها، ونذكر منها:

 

أولاً- الغنى القلبيّ: عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: ( في التّوراة مكتوب يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنًى ولا أكلك إلى طلبك، وعليّ أن أسدّ فاقتك وأملأ قلبك خوفاً منّي وإن لا تَفَرَّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثم لا أسدّ فاقتك وأكلك إلى طلبك)(4).

 

ثانياً- النصر على الشيطان: عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: ألا أُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه...الخ)(5). 

 

ثالثاً- التنعّم بهذه العبادة في الآخرة: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( قال الله تبارك وتعالى يا عبادي الصِّدِّيقين تنعّموا بعبادتي في الدُّنيا فإنّكم تتنعَّمُون بها في الآخرة)(6).

 

نسأله تعالى أن يوفقنا لعبادته بمنّه ولطفه، إنه أرحم الراحمين. 

 

والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين. 

 

عباس الناصري

الليلة السابعة والعشرون من ليالي شهر رمضان المبارك من عام ١٤٤١هج

..................................

1- الذاريات: 56.

2- الإسراء: 23.

3- حجر: 99.

4- الكافي ج2 ص83، ح1.

5- الكافي ج4 ص62.

6- الكافي ج2 ص83.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار