المقالات والبحوث

الوعي حضور الراهن و أستشراف العاقبة "نظرة قرآنية "

الوعي حضور الراهن و أستشراف العاقبة   "نظرة قرآنية "
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم الشيخ عماد مجوت

  قد لا تجد مفهوما أكثر جدلية معنى وتطبيقا كمفهوم الوعي الذي يدعيه الجميع إلا من وجد في نفسه نقاء تزكيتها . 

والوعي حضورا وغيابا لا يفرق فيه بين حامل شهادة وغيره ، ولا بين عرق وغيره ، ولا بين نحو الزي وجنسه، ويكفي أن يكون حاضر الوعي ملتفتا، وفاقده غائبا ، حيث أنك تصف من يدخل في غيبوبة أنه فاقد الوعي .

 

   وجدلية الوعي تبدأ من سهولة إدعائه، وسهولة سلبه عن الآخرين، فتجد المغيب تماما عن نفسه ، المسلم لها بيد غيره فكرا وسلوكا يتهم الآخرين باللاوعي ، وتجد حامل الشهادة، أو المنحدر من طبقة إجتماعية معينة أو دينية، أو مرتبط بجهة لها شيء من الحضور الإجتماعي أو الديني أو الثقافي ، لسان حاله ومقاله أنه الواعي دون سواه !!

 

والإنصاف أن الوعي ما لم تحدد هويته وميدانه فهو مفهوم فضفاض لا تنتهي جدليته عند حد إلا صناعة الجدل وطلب الغلبة. 

 

والقرآن الكريم بين تسمية الوعي من خلال بيان مقابله الذي هو الغفلة أي عرفه بالمقابل له ، حيث يقول تعالى : ﴿وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الغافِلونَ﴾[الأعراف: ١٧٩].

وقوله تعالى : ﴿أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعونَ أَو يَعقِلونَ إِن هُم إِلّا كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبيلًا﴾[الفرقان: ٤٤] . 

فالغفلة مع عدم الإستفادة من أدوات الإلتفات الذي تنتفي معه الغفلة ، بمعنى حياة السمع والبصر والعقول. 

ومعنى حياة هذه القنواة أداء دورها في الإلتفات إلى الواقع والخروج عن الوهم والخيال والجهل .

ومع هذا الالتفات، ونفي الغفلة يتحقق الوعي ، كما يشير إليه قوله تعالى :﴿لِنَجعَلَها لَكُم تَذكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾[الحاقة: ١٢] . حيث وصف تعالى الأذن الواعية بالذاكرة المتذكرة في قبال الغافلة ، كما في قوله تعالى : ﴿وَمِنهُم مَن يَستَمِعونَ إِلَيكَ أَفَأَنتَ تُسمِعُ الصُّمَّ وَلَو كانوا لا يَعقِلونَ﴾[يونس: ٤٢] . حيث وصف تعالى عدم الإستفادة من هذه الأدوات بعدم التعقل .

ومن هنا أمكن القول بأن الوعي حالة يعيش معها الإنسان الواقع المحيط به، ويستشرف ويقرأ المستقبل ، بلا فاصل بينهما، كما يمكن إستفادته من قوله تعالى : ﴿نَحنُ أَعلَمُ بِما يَستَمِعونَ بِهِ إِذ يَستَمِعونَ إِلَيكَ وَإِذ هُم نَجوى إِذ يَقولُ الظّالِمونَ إِن تَتَّبِعونَ إِلّا رَجُلًا مَسحورًا﴾[الإسراء: ٤٧] . فهم مع حضورهم، واستماعهم للنبي (صلى الله عليه وآله)، لم يكونوا حاضري الذهن حيث كانوا نجوى، أي يتناجون في ما بينهم ، ثم حكموا بأنه ليس إلا رجلا مسحورا !!

 في المقابل تجد الصورة المقابلة لذلك تماما حيث الإستماع والإلتفات، والإتباع : ﴿وَالَّذينَ اجتَنَبُوا الطّاغوتَ أَن يَعبُدوها وَأَنابوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ البُشرى فَبَشِّر عِبادِ* الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ﴾ [الزمر: ١٧-١٨] . فوصفهم تعالى بعد الخطوات المتقدمة منهم بأنهم أولو الألباب. 

ومن هنا كان الإلتفات والوعي حالة يتقدمها مقدمات حضور الواقع والتأمل فيه ، ثم أتخاذ الموقف متفرعا على ما تقدم من المقدمات ، كما في قوله تعالى : ﴿وَإِذ صَرَفنا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعونَ القُرآنَ فَلَمّا حَضَروهُ قالوا أَنصِتوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوا إِلى قَومِهِم مُنذِرينَ﴾[الأحقاف: ٢٩] .

 

فالوعي بمنظور قرآني هو أن تكون حاضرا حيث ينبغي عليك أن تكون من دون ألتباس عليك ، مع حسابات المستقبل على ذلك الحضور .

وما سوى ما تقدم فهو دعوى للوعي ليس إلا، في أي زمان كنت أو مكان ، وأي لباس أرتديت أو نعت به وصفت:﴿إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلبابِ * الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقتَ هذا باطِلًا سُبحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾[آل عمران: ١٩٠-١٩١] .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار