المقالات والبحوث

الدين وثقافة الاستهزاء

الدين وثقافة الاستهزاء
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

بعيدا عن ثقافة السخرية والاستهزاء في دائرتها الواسعة، وبالخصوص ثقافة غير المتدين بالدين وأهله، فقد أخذت هذه الثقافة في وسط المؤمنين حيزا كبيرا من تعاملاتهم، سواء كانت في الأقوال أم الأفعال، والغريب أنها أصبحت سلوكا مألوفا في الكتابات على صفحات التواصل الإجتماعي، و يحبون تسميتها بأسم لا يليق ذكره .

والمستغرب منه أكثر عندما تقرأ في التعليقات الإطراء لشخص الكاتب أنه( أستاذ، شيخ ، دكتور ..).

 وليس المهم هو ما يحمله المؤمن من لقب تشريفي بقدر ما ترتبط الأهمية بسلوكه العام وألتزامه بالثقافة و الأدب الإسلاميين. 

 

♦️ ولقلم الشريعة سطورا مقومة لسلوك المؤمن في مسألة الجدية والإبتعاد عن لغة السخرية والاستهزاء بالآخرين مهما كانوا، ومن أين جاءوا، وما طبيعة إنتمائهم، كما يجمع الجميع قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَسخَر قَومٌ مِن قَومٍ عَسى أَن يَكونوا خَيرًا مِنهُم وَلا نِساءٌ مِن نِساءٍ عَسى أَن يَكُنَّ خَيرًا مِنهُنَّ وَلا تَلمِزوا أَنفُسَكُم وَلا تَنابَزوا بِالأَلقابِ بِئسَ الِاسمُ الفُسوقُ بَعدَ الإيمانِ وَمَن لَم يَتُب فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾[الحجرات: ١١] . فكونك مختلفا معه لا يبرر لك انتهاج هذا السلوك المنتهي بك إلى الظلم. 

 

وربما كانت هذه الثقافة عنصرا هداما لبناء النفس، حيث توجب أنشغال الإنسان بها متناسيا ذكر ربه تعالى كما نراه فيمن يسلك هذا السلوك، كما في قوله تعالى:﴿ فَاتَّخَذتُموهُم سِخرِيًّا حَتّى أَنسَوكُم ذِكري وَكُنتُم مِنهُم تَضحَكونَ﴾[المؤمنون: ١١٠]. والتي قد تمتد للسخرية ممن يستن بسنة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) كما في الحديث: يا بن مسعود! إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي فرائض الله، قال الله تعالى:(فَاتَّخَذتُموهُم سِخرِيًّا حَتّى أَنسَوكُم ذِكري وَكُنتُم مِنهُم تَضحَكونَ، إني جزيتهم اليوم بما صبروا) . (ميزان الحكمة: مادة سخر).

 

وكذلك تكون عنصرا هداما في العلاقات الإجتماعية، كما في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام):" لا يطمعن المستهزئ بالناس في صدق المودة " (ميزان الحكمة: مادة سخر). حيث لا ثبوت للمودة إلا مع الإيمان بالله تعالى المستوجب لترك جميع ما نهى عنه الشامل لثقافة السخرية والاستهزاء، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمنُ وُدًّا﴾[مريم: ٩٦].

 

????️ ولم تنتهي ظاهرة السخرية والاستهزاء عند بسطاء الناس، وجعلها حالة من المرح عندهم ، بل تعدت ذلك ، لتكون ظاهرة مألوفة عند الطبقات الاجتماعية المتعلمة لتجعل من التحصيل العلمي حالة توفر معها السخرية والاستهزاء بالمقدسات، وأحكام الشريعة كحالة مشابهة لما عليه مكذبوا الرسالات، كما في قوله تعالى : ﴿فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾

[غافر: ٨٣] . وهو مصداق لقوله تعالى: ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾[الانشقاق: ١٩]. مع أن المناسب لأهل العلم انتهاج ثقافة الجد ، والموضوعية مع معطيات الواقع الخارجي ، مما يكشف عن دقة تشخيص القرآن الكريم لمنشأ هذه الظاهرة من كونه الجهل الكامن في النفس وإن كان صاحبه حاملا للقب علمي كما في قوله تعالى: ﴿قالوا أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا قالَ أَعوذُ بِاللَّهِ أَن أَكونَ مِنَ الجاهِلينَ﴾[البقرة: : ٦٧]. 

 

????️ ففي التحليل النفسي للقرآن الكريم إن طبيعة المستهزئ طبيعة تنتمي إلى الجهل، وإن كان ذا شهادة أو لقب علمي، كما يشهد قوله تعالى: ﴿وَإِذ قالَ موسى لِقَومِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تَذبَحوا بَقَرَةً قالوا أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا قالَ أَعوذُ بِاللَّهِ أَن أَكونَ مِنَ الجاهِلينَ﴾[البقرة: ٦٧]

فاستعاذة موسى عليه السلام من الإنتماء للجاهلين أسعاذة من هذه الثقافة المنتمية إلى الجهل، وهي تسمية قرآنية تكشف عن كون حقيقة الجهل مرتبطة بالسلوك العام وأثاره النفسية والإجتماعية.

ومن هنا فنحن مدعون لانتهاج منهج الشريعة بعيدا عن الأهواء النفسية، وحب أضحاك الآخرين، فإن المزاح المحمود مع الآخرين لا يبرره سلوك السخرية بهم: ﴿وَقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلإِنسانِ عَدُوًّا مُبينًا﴾[الإسراء: ٥٣] .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار