المقالات والبحوث

الإمام الحسين عليه السلام بين الغيب والشهادة

الإمام الحسين عليه السلام بين الغيب والشهادة
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

من أكثر المسائل العقدية والفكرية جدلا وتصويرا هي حركة الإمام الحسين عليه السلام من نسبتها إلى الارتباط بعالم الغيب محضا أو عالم الشهادة محضا. 

ولا يمكن فهم هذه المسألة مالم تفهم مسألة حركة الأنبياء عليهم السلام التي ذكرها القرآن الكريم لبيان تلك الحقائق ؛

تمثل حركة الأنبياء عليهم السلام ثمثيلا جليا لحركة ربط عالم الغيب بالشهادة ، وهي صورة من صور المنزلة بين منزلتين التي يؤمن معها الحفاظ على سلطان الله تعالى في جريانه ونفوذه في كل شيء ، وبقاء إختيار العبد من جهة أخرى. 

 

غير أن ما يميز حركة الأنبياء عليهم السلام وبقية الأولياء مسألة ذوبان الإرادة الذاتية لهم واندكاك إختيارهم مع إرادته تعالى التشريعية، وهو دور لا يأتي لكل أحد أن يقوم به بسهولة ، ومن هنا فما لم يفهم منزلة الإمام الحسين عليه السلام مسبقا من خلال تنصيصات الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) على ذلك لا يمكن قرأءة حركته قرأءة غيبة بحتة ولا موضوعية بحتة. 

 

فما يبعد تصوره من المواجهة مع قلة العدد والناصر وحمل العيال معه عليه السلام وغيرها من مفردات عاشورائية توجب الغرابة و ربما لا يمكن الإقدام عليها لشخص اعتيادي فضلا عن مثل الإمام عليه السلام لا يمكن فهمها قبل تأصيل ذلك الأصل .

 

والقرآن الكريم صور مسألة الثبات والإخبار عن مغيبات عالم الغيب وربطها بواقع المواجهة بلا جعل ملاك العدة والعدد هو الأساس في المواجهة، كما في قصة طالوت، حيث كانت بعثته غيبة مع أنه لم يكن نبيا : ﴿وَقالَ لَهُم نَبِيُّهُم إِنَّ اللَّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طالوتَ مَلِكًا﴾[البقرة: ٢٤٧].

وكان من إخباراته عن الغيب قوله : ﴿فَلَمّا فَصَلَ طالوتُ بِالجُنودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبتَليكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنهُ فَلَيسَ مِنّي وَمَن لَم يَطعَمهُ فَإِنَّهُ مِنّي إِلّا مَنِ اغتَرَفَ غُرفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبوا مِنهُ إِلّا قَليلًا مِنهُم﴾[البقرة: ٢٤٩]. 

وجريان أحكام الغيب على يده لم يكن سالبا لإختياره في إمكان المواجهة وعدمها ، ولم يصور القرآن بأنهم لم يحسبوا القضية حسابا موضوعيا مراعا فيه العدة والعدد، بل مدحهم بقوله : ﴿فَلَمّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ قالوا لا طاقَةَ لَنَا اليَومَ بِجالوتَ وَجُنودِهِ قالَ الَّذينَ يَظُنّونَ أَنَّهُم مُلاقُو اللَّهِ كَم مِن فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصّابِرينَ﴾[البقرة: ٢٤٩].

وهذا القصص القرآني جعله موعظة وعبرة تقص دوام الليالي والأيام، فلو كان هناك كتاب بعد القرآن الكريم لما عدى الحديث عن كربلاء وما جرى فيها وهي أعظم من عبرة طالوت وما فيها .

وصورة أخرى من صور ربط عالم الغيب بالشهادة قصة إبراهيم عليه السلام مع إسماعيل عليه السلام في قوله : ﴿فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنّي أَرى فِي المَنامِ أَنّي أَذبَحُكَ فَانظُر ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افعَل ما تُؤمَرُ سَتَجِدُني إِن شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّابِرينَ﴾[الصافات: ١٠٢]. والتصريح بأن الأمر غيب لم يسلبهما عليمها السلام خصوصية الإختيار كما هو صريح "فَانظُر ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افعَل ما تُؤمَرُ سَتَجِدُني إِن شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّابِرينَ". ولم يصور القرآن بأنها على خلاف الحسابات الموضوعية، بل جعلها الله في ميزان العبر والمواعظ في التسليم للإرادة الإلهية والبذل لأجله تعالى ، فلو كان هناك كتاب بعد القرآن الكريم لما عدى الحديث عن كربلاء وما جرى فيها من العطاء والتسليم لأمره تعالى .

نعم هذا كله بعد تأصيل موقع الإمام عليه السلام، ويكفي كونه عليه وسلم، مصريح بأنه " إمام إن قام وإن قعد " فضلا عن كونه من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله :”حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسينًا وأبغض الله مَنْ أبغض حسينًا“.

ومن هنا فإن حركة الإمام عليه السلام تشكل حركة برزحية بين التمحض بالغيبية وبين الموضوعية البحتة فهي صورة من صور الحركات القرآنية التي لا يمكن قراءتها منفصلة عن أحد طرفي الربط بين الغيب والشهادة. 

ومن هنا كان قوله عليه السلام: (شاء الله أن يراني قتيلا. وشاء الله أن يراهن سبايا). وكذلك قوله عليه السلام:"إنَّ اللهَ تعالى قد أذِنَ في قتلِكُمْ وقتلي في هذا اليوم، فعليكُمْ بالصبَّرِ والقتالْ".

و كذلك في رسالته عليه السلام إلى بني هاشم : (بسم الله الرحمن الرحيم، مِنَ الحُسين بن علي إلى بني هاشم، أمّا بَعد، فإنّه مَنْ لَحِقَ بي مِنكم إستُشهِد, وَمَن تَخَلّفَ عَنّي لَمْ يَبلغ الفَتْح، والسّلام) في واقعها إشارة إلى الإرادة الغيبية لذلك مع الحفاظ على الإختيار والإرادة، ولم تكن النصوص المتحدثة عن شهادته عليه السلام وهي كثيرة بخفية عنه وهو في ربيب بيت الوحي .

ومن جميع ذلك لا يستبعد مثل قوله عليه السلام:(إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى).

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار