المقالات والبحوث

الإمام الحسين عليه السلام وصناعة الحياة

الإمام الحسين عليه السلام وصناعة الحياة
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عماد مجوت

مازالت الحياة تمثل مفردة من المفردات التي تختلف أنظار الناس إليها من ناحية بيان حقيقتها وابعاد فهمها ، ففي الوقت الذي يركز أكثرية البشر على كونها لا تعدو ما يعيشه الإنسان من أيام في هذه الدنيا، والسعادة فيها إنما تتحقق بتوفر مستلزمات البقاء من المأكل والمشرب والملبس وما شابه، وإن الابتعاد مهما أمكن من منغصات ذلك يوفر الحصة الأكبر من السعادة، ومن هنا فسعي الإنسان ينبغي أن يرتكز عندهم على هذين الأمرين، أي توفير مقومات الحياة المادية، والابتعاد قدر الإمكان عن المنغصات . 

وفي قبال ذلك يوجد أناس أدركوا نحوا آخر من الحياة، وتذوقوا طورا أعلى من السعادة، تعلو على الركون إلى زخارف الدنيا، والاستئناس بالملذات منها، ومن هنا سعوا إلى تأمين مستلزمات تلك الحياة، وجعلوا همهم تلك الحياة التي هي حياة مليئة بالصعاب والتضحيات، ولكن لذتها تهون جميع ذلك . 

والحياة التي تحدث عنها الحسين عليه السلام، وبينها للآخرين، وقدم لها هي الحياة من النحو الثاني، الحياة التي تبدأ عندما تكون حرا، عندما تكون إلى جنب الحق والعدل، عندما لا تعيش لأجل أن تنعم مع الذل. 

ومن هنا رسم عليه السلام معالم تلك الحياة، التي تبدأ من رؤيته عليه السلام للحياة وفلسفتها، والتي تتمثل برؤية شاملة لمناحيها، وفي نفس الوقت هي ثوابت لتلك الحياة لا تكون بدونها. 

 

 وأول تلك الثوابت أن الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف، بل هو حلقة من حلقات الحياة الكريمة، إن الموت لا مهرب منه، ولكن ما هي الموتة الكريمة التي ينبغي ان يختارها الإنسان ، 

 يقول عليه السلام بعد أن يبين أن الموت من مفردات الدنيا الواقعية : " لا بد من يوم خط بالقلم " ، وثم يبين عليه السلام ماذا خط بالقلم ، فيقول : " خط الموت على بني آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ". 

 ولا يشكل الموت حينئذ مشكلة من ناحية السعي للحياة الكريمة برؤية الإمام الحسين عليه السلام ، بل هو السعادة الحقيقية فيما إذا كانت الحياة الدنيا إلى جنب من يغايره في التوجه من ناحية فهم الحياة والسعادة، يقول عليه السلام : " لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما "، فالحياة السعيدة هي الحياة الكريمة، التي لا تجاور فيها الظالمين، وما الموت حينئذ إلا بوابة تلك السعادة. 

 

 وفي الرؤية الحسينية للحياة والسعادة، يدا ممتدة للدين في مناحي الحياة السعيدة ؛ إذ أنه يمثل قوام تلك الحياة ، فحقيقة تلك الحياة، ومكمن السعادة فيها عندما يقام الدين وتشيد أركانه هنا يكون مفترق الطرق بين الرؤيتين المتقدمتين للحياة، من جهة الدين، فالأولى ترعاه فيما إذا لم يكن منغصا لحياتها التي تفهمها، والأخرى ترعاه وتجعله أصلا في السعادة، وكلما كانت التضحيات من أجله أكبر كان تذوق تلك السعادة والدخول إلى الحياة الطيبة أكبر وأسرع ، يقول عليه السلام : " الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ، ما درت معائشهم ،فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون". 

وعلى ذلك فشخص الإمام الحسين عليه السلام ومن كان على شخصيته لا يساوم على ثوابت الحياة التي يؤمن بها، والتي يشكل الدين الركيزة الأساسية فيها ، فكان مقتضى ذلك أن لا يضع يده في يد الظالمين ، يقول عليه السلام " يزيد فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله "، بل لا دين مع التنازل عن تلك الثوابت " فعلى الإسلام السلام اذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد " . 

وحينئذ السعي للسعادة الحقيقية يتمثل بإحياء الدين والذي يكون بالوقوف ضد الظلم، والا فلا فرق بين الحياتين من ناحية عملية، كما يقول عليه السلام في الحديث الذي ينقله عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم " من رأى سلطانا جائرا ، ناكثا لعهد الله ، ... فلم يغير عليه بقول أو عمل إلا أدخله الله مدخله " . 

وقد لا يكون التغير، ولا الحياة الكريمة ، والتي فيها السعادة إلا مع الموت، ولا موتة أشرف من الشهادة، يقول عليه السلام لبيان أركان متممات الحياة التي يؤمن بها عليه السلام ، " اني لم أخرج اشرا ، ولا بطرا ، ولا ظالما ، ولا مفسدا ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه و آله وسلم ". 

والنتيجة الحتمية والتي هي بوابة السعادة ومفتاحها هي الشهادة ، فيبين عليه السلام تلك الحقيقة بقوله " من ألتحق بنا أستشهد ، ومن لم يلتحق لم يدرك الفتح " . 

وخاتمة المسك عطرها يفوح ( الحياة في موتكم قاهرين ، والموت في حياتكم مقهورين ) . 

وهنا يظهر البرزخ بين الحياتين ، فمن يعطي من دينه، يأخذ لحياته لباس الذل ، ويوسم بالعبودية والصغار ، ومن يعطي لدينه، يأخذ لحياته لباس العز والكرامة .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار