المقالات والبحوث

الدين وثقافة النقد من سلوك الأنبياء إلى تدوين الكتاب بقلم الشيخ عماد مجوت

الدين وثقافة النقد  من سلوك الأنبياء إلى تدوين الكتاب   بقلم الشيخ عماد مجوت

الدين وثقافة النقد  من سلوك الأنبياء إلى تدوين الكتاب 

بقلم الشيخ عماد مجوت 

 

ليس مستغربا لمن تتبع الحركات الإصلاحية عموما، والنبوية منها على وجه الخصوص أن يجد بأن ثقافة النقد والتوجيه أهم ركائز الحركات الإصلاحية بما فيها مقالات الدين نفسه، وسلوكيات أتباعه. 

وساحة الفكر مهما حملت من قدسية بلحاظ موضوعها الشاغل لها لا يضفي عليه قدسية العصمة ؛ إذ لا تبرئة للخطأ والزلل في الساحة الفكرية مطلقا ، ومن هنا كانت قوانين المنطق لأجل إيجاد حالة التوازن العقلي وعصمته الفكرية حال مراعاة تلك القوانين.  

ولم يكن الدين دعوة وتطبيقا بعيدا عن مراعاة هذه القوانين ، والدعوة إلى تحكيمها، وحاكميتها ، وجعلها سنن لأعظم مقالات الفكر ومسرحه مثل التوحيد وما يرتبط به من رؤية كونية تجاه العالم عموما والإنسان على وجه الخصوص.  

فكانت حركة الأنبياء عليهم السلام تبدأ من الفكر وتتحرك في ساحته، وتتحاكم الى مدوناته، ومقرراته لتنتهي مقررة ذلك في كتب السماء راسمة لها مرجعا إرشاديا للفكر وأحكامه.  

#والقرآن الكريم يحكي لنا أول ملحمة فكرية في ساحة الحوار الفكري ومعطيات المنطق ، تبدأ من إخباره تعالى الملائكة بأنه بصدد إنشاء مخلوق يكون خليفة له في الأرض مرورا بإباء ابليس عن السجود لآدم عليه السلام، وانتهاءا إلى خروج أدم عليه السلام من الجنة وهبوطه إلى الأرض.  

#لقد مثلت مسألة إدراك المحدود بالقياس إلى غير المحدود خط الشروع في توزيع أطر التفكير الإبداعي التي ركبها تعالى في خلقه، وإن الأشباه والنظائر ليست مقياسا للحكم الحق، كما في قوله تعالى عن الملائكة:﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ﴾[البقرة: ٣٠]. قياسا للإنسان على من سبقه في الأرض  . 

ولا القياس بالتمثيل المنطقي ميزانا للتفاضل كما في قوله تعالى حكاية عن إبليس : ﴿قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ﴾[الأعراف: ١٢].

 

#ففي الساحة الفكرية يوجد حوار ونقد ، واختلاف رؤية وتقارب ، ولكنها محكومة بقوانين العقل البرهاني وإلا فإن النقد بلا أفق رؤية أو ميزان حب لذات الجدال:﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابنُ مَريَمَ مَثَلًا إِذا قَومُكَ مِنهُ يَصِدّونَ * وَقالوا أَآلِهَتُنا خَيرٌ أَم هُوَ ما ضَرَبوهُ لَكَ إِلّا جَدَلًا بَل هُم قَومٌ خَصِمونَ﴾[الزخرف: ٥٧-٥٨].

وذات الجدال ليس لها في العقل ميزان، ولا يليق بالعاقل هذا الميدان :﴿إِنَّ الَّذينَ يُجادِلونَ في آياتِ اللَّهِ بِغَيرِ سُلطانٍ أَتاهُم إِن في صُدورِهِم إِلّا كِبرٌ ما هُم بِبالِغيهِ فَاستَعِذ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ﴾[غافر: ٥٦].

فلم تمنع مدونات الوحي والسماء النقد ، ولم تغلق أبواب الحوار ، ولكنها سنت له قوانين ومديات من دونها خروج إلى الجدل :﴿وَلا تُجادِلوا أَهلَ الكِتابِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِلَّا الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم وَقولوا آمَنّا بِالَّذي أُنزِلَ إِلَينا وَأُنزِلَ إِلَيكُم وَإِلهُنا وَإِلهُكُم واحِدٌ وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ﴾[العنكبوت: ٤٦].

ومن هنا فلا نحتاج في ساحة النقد أو إعادة القراءة إلى الانفعالات النفسية بقدر الحاجة الى الموضوعية والذهاب تجاه تحليل القراءة وتصويب ما يطابق العقل والبرهان والإنقياد له ، ورفع اليد عما خالفه مهما كانت جذوره، كما يرشد إليه قوله تعالى: ﴿وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلَى الرَّسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمّا عَرَفوا مِنَ الحَقِّ يَقولونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ * وَما لَنا لا نُؤمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنا رَبُّنا مَعَ القَومِ الصّالِحينَ﴾[المائدة: ٨٣-٨٤].

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار