المقالات والبحوث

الإنتماء بين المبدئية والتنوير

الإنتماء بين المبدئية والتنوير
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

  يتخذ الموقف الإنتمائي بين كونه تنويرا أو مبدئيا طابع النسبية التي قد يكون التلاقي بينهما إلى حد الموقف الواحد بوجهين ؛ ففي الوقت الذي يكون مبدأيا فهو تنويري.

وقد يكون التنافي بينهما إلى حد التضاد والتنافر؛ فثبوت أحدهما نفي للآخر، فالمبدئية حيث يكون التنوير ضربا للثوابت المحترمة عقلا وشرعا، والتنوير حيث تكون المبدئية تمسكا بالجهل والأعراف.

#وفي القرآن الكريم الكثير من الحديث عن الجهتين، فمن موارد الجمع بينهما مواقف الثبات مع التجديد والإصلاح ﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ يا شُعَيبُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أَوَلَو كُنّا كارِهينَ * قَدِ افتَرَينا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِن عُدنا في مِلَّتِكُم بَعدَ إِذ نَجّانَا اللَّهُ مِنها وَما يَكونُ لَنا أَن نَعودَ فيها إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيءٍ عِلمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلنا رَبَّنَا افتَح بَينَنا وَبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيرُ الفاتِحينَ﴾[الأعراف: ٨٨-٨٩] . فصاحب الهم الرسالي وأتباعه لا يتنازلون عما يحملونه من تجديد تنويري يدعو إلى الهداية والخروج عن أسر الشهوات والشبهات والخرافات، فثبات الموقف مبدئية لا تنازل عنها، والتجديد تنوير لا تراجع عنه.

 

#أما مورد الإفتراق فالمبدئية مع وهم التنوير كما في قوله تعالى: ﴿قالوا أَإِذا مِتنا وَكُنّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنّا لَمَبعوثونَ * لَقَد وُعِدنا نَحنُ وَآباؤُنا هذا مِن قَبلُ إِن هذا إِلّا أَساطيرُ الأَوَّلينَ﴾[المؤمنون: ٨٢-٨٣] . فتوهم أن الإيمان بالبعث والحساب أساطير يعني أنهم متنورون وهذا يدعوهم إلى الثبات بمبدئية على ما هم عليه . 

 

#أما التنوير مع كون المبدئية تمسكا بالجهل والأعراف فكما في قوله تعالى: ﴿قالوا يا شُعَيبُ أَصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أَن نَترُكَ ما يَعبُدُ آباؤُنا أَو أَن نَفعَلَ في أَموالِنا ما نَشاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الحَليمُ الرَّشيدُ﴾[هود: ٨٧] . فتوهم أن عبادة ما عليه الآباء الشامل لكل موروث لم ينزل الله تعالى به سلطانا، وبسط اليد بالتصرف في المال بما يشاؤون، مبدأ ثابت وحق لهم، مع عقلانية دعوة شعيب عليه السلام الجامعة للبناء النفسي والإجتماعي :﴿وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ وَلا تَنقُصُوا المِكيالَ وَالميزانَ إِنّي أَراكُم بِخَيرٍ وَإِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ مُحيطٍ * وَيا قَومِ أَوفُوا المِكيالَ وَالميزانَ بِالقِسطِ وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ﴾[هود: ٨٤-٨٥] . فكان التمسك بما هم عليه مبدئية جاهلية لا احترام لها، ولا وزن لها عند الحق والإنصاف.

 

#فالقرآن مع المبدئية حيث يكون مع العقل ومعطيات العلم القطعية، والقرآن مع التنوير حيث يكون مع بناء الإنسان وترسيخ الإيمان عنده، فالمبدئية والتنوير حين يكون العقل والعلم لبناء الإنسان وترسيخ الإيمان عنده: ﴿لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النّاسُ بِالقِسطِ وَأَنزَلنَا الحَديدَ فيهِ بَأسٌ شَديدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزيزٌ﴾[الحديد: ٢٥].

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار