المقالات والبحوث

المرجعية الدينية واستشراف المستقبل " الخطاب الفاطمي أنموذجاً" بقلم الشيخ حسن العكيلي

المرجعية الدينية واستشراف المستقبل " الخطاب الفاطمي أنموذجاً"     بقلم الشيخ حسن العكيلي
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

المرجعية الدينية واستشراف المستقبل " الخطاب الفاطمي أنموذجاً" 

 

بقلم الشيخ حسن العكيلي 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 

 

العلماء هم ورثة الأنبياء وخزان العلم ودعاة الحق وأنصار الدين يهدون الناس إلى معرفة الله وطاعته ويوجهونهم وجهه الخير والصلاح 

روي عن الإمام الباقر" عليه السلام" قال {عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين الف عابد } ، ويذكر امير المؤمنين "عليه السلام" في وصف أولياء الله عند تفسير الآيةالكريمة {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}

قال : { إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالًا ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَكَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلًا أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلًا فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ وَيَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ وَيَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طُولِ الْإِقَامَةِ فِيهِ وَحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى النَّاسُ وَيَسْمَعُونَ مَا لَا يَسْمَعُونَ}

 

 

ومن هؤلاء العلماء المستشرفون للمستقبل الذين يروا مالايرى الناس ،المذكورون بأيام الله والأدلة في الفلوات،  المرجعية الدينية المتمثلة بسماحه الشيخ اليعقوبي( دام ظله )

فمن الواضح للمتعمقين لخطابات وكلمات سماحته  أنها لا تتحدث عن مناسبات آنية أو حوادث استثنائية حتى وإن عالجت مناسبات مخصوصة أو قيلت في ظروف معلومة وإنما هي خطابات تضع الأسس لهيكلية الإنسان الكامل وتسير باتجاه بناء ثقافة مجتمعية ذات مرتكزات شامله على كافة الأصعدة العقلية والنفسية والروحية .

فلو عدنا لكلمة سماحته الموسومة ( السيدة الزهراء "ع" تحثنا على اللجوء إلى الكهف المعنوي ) التي ألقيت على جموع المعزين في ذكرى شهادة الزهراء " عليها السلام" في العام المنصرم ١٤٤١هـ 

 

فقد أكد سماحته على سنة إلهية كونية أشار إليها القرآن الكريم في آيات متعددة منها قوله تعالى { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ال عمران / ٨٣ 

فقد ذكر المفسرون ان معنى الاية الكريمة هو رجوع الناس إلى مولاهم الحق وهذا الرجوع اما طوعي  للمؤمنين أو قهري للكافرين ( فإن المؤمنين وهم في حال الرفاه والهدوء يسيرون نحو الله بملء اختيارهم، اما غير المؤمنين فلا يسيرون نحو الله إلا عندما تحيق بهم البلايا والمشكلات التي لاتطاق فيدعونه ويتوسلون إليه فمع انهم في الظروف العادية يشركون به فإنهم في الشدائد والملمات لا يتوجهون إلا إليه )

 

هذه السنة الكونية هي التي أشار إليها  سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله)   بعنوان الكهف المعنوي  وأكد على ضرورة تفعيلها وتطبيقها لتكون قاعدة وأساس يستند عليه المؤمن والكافر في ظل الشدائد والمحن  القادمة ، وتأكد حاجة البشرية جمعاء لهذه السنة الإلهية في ظل جائحة كورونا التي أوضحت مدى ضعف الإنسان وحاجته للمدد الإلهي والعناية الربانية واذلت الجبابرة المستكبرين وأعادتهم إلى كهف الإيمان طوعا أو كرها .

 

فقد ذكر سماحته في إحدى خطاباته   في ظل جائحة كورونا كيفية رجوع الدول الأستكبارية للكهف المعنوي حيث قال [ لقد أقرّ الغرب الغارق في الماديات بعد طول تمرد وجحود بهذه الحقيقة وهي ان الرجوع الى الله تعالى والالتجاء إليه هي القوة الحقيقة والوسيلة الفاعلة للتغلب على الامراض الجسدية والروحية فلا نستغرب إعلان الرئيس الأمريكي ترامب اليوم الأحد يوماً وطنياً للصلاة واعتبر الإعلان شرفاً عظيما له ووصف بلده بأنه يتطلّع عبر تاريخه الى الله للحماية والقوة في أوقات كهذه، وان ذلك يحقق الانتصار بسهولة ]

 

وقد ذكر سماحته عدة مصاديق للكهف المعنوي تعالج الموقف في ظل الجائحة، يمكننا أن نجمعها بثلاث مصاديق 

١) كهف التقوى وطاعة الله والقرآن والدعاء 

حيث عالجت الجانب النفسي والروحي للانسان وتمنحه الامل برحمه الله وبذلك تزداد الطاقة الإيجابية عنده التي تؤثر في قوة الجهاز المناعي للمصاب بل وغير المصاب أيضا 

٢) كهف الاخوة الإيمانية والعمل الصالح 

حيث عالجت الجانب الاجتماعي والاقتصادي للانسان بعد مرور العالم بأزمة اقتصادية حادة وانتشار الفقر بسبب الحجر الصحي فكان التضامن الاجتماعي ومساعدة المعوزين بالطعام والدواء هو الكهف والملاذ

٣) كهف العلماء وعلوم أهل البيت وعقول المؤمنين 

حيث عالجت الجانب الجسدي والعقلي للانسان فقد كانت إرشادات أهل الإختصاص من العلماء ونصائح الوقاية والمعالجة والحد من انتشار الجائحة له أثر كبير في شفاء العديد من الناس ووقاية آخرين

من هنا تبرز أهمية وجود المرجعية الدينية صمام أمان للأمة إذ أن العلماء لديهم القدرة على استشراف المستقبل القريب والبعيد وفق السنن الإلهية ووضع الحلول المناسبة للأحداث ومعالجة الأزمات،  قال تعالى {  وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } العنكبوت/٤٣

وتتأكد أيضا ضرورة الاستماع لصوت المرجعية والأخذ بتوجيهاتها واستقراء ابعاد كلماتها المباركة التي فيها  السعادة الدنيوية والاخروية والنجاة من شباك إبليس كما قال الإمام الهادي" عليه السلام" ( لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي احد إلا ارتد عن دين الله )

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار