المقالات والبحوث

الخيال الثقافي وواقعية الوعي

الخيال الثقافي وواقعية الوعي
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

الشيخ عماد مجوت

 

 يشكل الخيال مادةً خصبةً للإبداع الفكري وصناعة صور الثقافة، مما يتيح لصاحبه رسم ملامح إيجابية تغذي الواقع بالطموح والنجاح، ونشر معالم الروح الباعثة على الحياة الفاعلة.

  #ومن هنا كان لأصحاب الخيال مساحة في المنتج الفني والثقافي للمجتمعات وتهيئة المناخ الذي يوجب تصفية النفوس الى تجسيد ثقافة الشعوب في الواقع.

   غير ان هذا الخيال عندما يفقد واقعيته ويصور لصاحبه بأنه محور الأفلاك وميزان الوعي!! فهو وهمٌ يذهب بصاحبه بعيداً عن الواقعية. 

#ومن هنا كان سبباً لوقوع الكثير ممن يملك مخيلةً إبداعيةً ضحيةً لوهمه حتى يقتل شخصيته الإبداعية تلك. وهو ما هيأته شبكات التواصل الإجتماعي بشكلٍ كبير، بحيث لا تحتاج كثير من التأمل لتلمس ذلك.

#ومن هذه الأثار المترتبة على الخيال الوهمي الخيال عند مواجهة الحقيقة التي لا يريد الإقرار بها، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدبَرَ وَاستَكبَرَ * فَقالَ إِن هذا إِلّا سِحرٌ يُؤثَرُ * إِن هذا إِلّا قَولُ البَشَرِ﴾[المدثر: ١٨-٢٥]. حيث كان الوليد إبن المغيرة مع ما يملكه من مخيلة أدبية يمكن أن يصدقهم القول بحقيقة القرآن الكريم عندما أستمع له وقد وصفه بقوله : 

:” والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛ ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن؛ والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه”.

وقد روي: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا قال : لم ؟ قال : يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله ، قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال ، وأنك كاره له; قال : فما أقول فيه ، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه مني ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله إن لقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، قال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه; فلما فكر قال : هذا سحر يأثره عن غيره ، فنزلت ( ذرني ومن خلقت وحيدا ). لأنه كان يسمى وحيدا، فلم تكن الحقيقة التي تذوق لذتها في كلمات القرآن لتجد لنفسها طريقا إلى التسليم لها مازال هناك ذلك الوهم الذي يرى من خلاله أنه فوق ذلك .

 

#الثاني:وقد يأخذ الخيال الوهمي صاحبه الى تصور الخلود، وأنه بما يملكه من مقومات ثقافية وعلمية توجب له البقاء ولذلك يتعامل مع الأحدث بلا مراعاة لأحكام الآخرة، وهي حقيقة بينها القرآن الكريم في مواضع عدة، منها قوله تعالى: ﴿أَيَحسَبُ الإِنسانُ أَلَّن نَجمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرينَ عَلى أَن نُسَوِّيَ بَنانَهُ * بَل يُريدُ الإِنسانُ لِيَفجُرَ أَمامَهُ﴾[القيامة: ٣-٥]. فهي طبيعة إنسانية، فإذا ما تمت لها المهيئات تفعلت سلوكاً وإن أنكرها لسانا، بل قد يصور له خياله أن ما عنده مستبعد أن يوجد مثله، كما في قوله تعالى:﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَن تَبيدَ هذِهِ أَبَدًا * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِن رُدِدتُ إِلى رَبّي لَأَجِدَنَّ خَيرًا مِنها مُنقَلَبًا﴾[الكهف: ٣٥-٣٦

 

 #الثالث: وكذلك خيال الإكتفاء العلمي فيرى ما عنده من العلم يغنيه عن الحاجة إلى غيره, بل يصور له الإستغناء عن الأنبياء عليهم السلام ورسالة السماء، بل قد يصور له أن ما عنده يكفي للمجتمع البشري بكله، كما في قوله تعالى:﴿فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ [غافر: ٨٣]. وفي الوقت الذي تجده يعترض على قانون السماء لا يتردد في إبداء وجهة نظره وما يراه مناسباً للبشرية!!!

 

#الرابع : ولعل من أهم ما يحدثه وهم الخيال الثقافي إيجاده لأجواء الاختلاف والتنازع والانقسامات المجتمعية، يقول تعالى مصوراً حال بني إسرائيل:﴿وَلَقَد آتَينا بَني إِسرائيلَ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلَى العالَمينَ * وَآتَيناهُم بَيِّناتٍ مِنَ الأَمرِ فَمَا اختَلَفوا إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم إِنَّ رَبَّكَ يَقضي بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ فيما كانوا فيهِ يَختَلِفونَ﴾[الجاثية: ١٦-١٧]. فكان الإختلاف من بعد العلم، ولو كان العلم مبرأ من الوهم لما أنتهى إلى الخلاف .

 

والنتيجة الطبيعية لذلك إمتداد هذا الوهم إلى الواقع الحياتي ومن ثم الى الأجيال حتى يكون عقيدة متوارثة، قال تعالى مبينا أثار الوهم الذي أدى إلى الإنقسام بعد العلم :﴿وَما تَفَرَّقوا إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الَّذينَ أورِثُوا الكِتابَ مِن بَعدِهِم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُريبٍ﴾[الشورى: ١٤].

 

#ومن هنا ما لم يطوع صاحب الخيال خياله للواقع ويتعامل معه لإثراء الثقافة فهو يعيش وهما خادعا لا ينتهي إلى نفسه فقط بل يكون بذرة يعتاش عليها غيره ويتحمل هو وزرها .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار