المقالات والبحوث

الدين المعاملة بين حفظ كرامة الشخص وحقوقه

الدين المعاملة بين حفظ كرامة الشخص وحقوقه
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم الشيخ عماد مجوت

في قوانين السماء صور للمعاملة المرضية،واخرى لغيرها، وهي تارة ترتبط بكرامة شخصيته، واخرى بحفظ حقوقه المعنوية و المادية.

 

 #و في جميع الصور غير المرضية عند القرآن الكريم يوجد الى جنبها لغة عدم القبول والشجب والرفض بل في بعضها بأعلى صوت للنقد والذم، خصوصا في الموارد التي تشكل انتهاكاً لشخصية أحد أو حقا له ، كما في قوله تعالى:﴿ *عَبَسَ وَتَوَلّى * أَن جاءَهُ الأَعمى * وَما يُدريكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى * أَو يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرى *؛أَمّا مَنِ استَغنى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدّى * وَما عَلَيكَ أَلّا يَزَّكّى * وَأَمّا مَن جاءَكَ يَسعى * وَهُوَ يَخشى * فَأَنتَ عَنهُ تَلَهّى* ﴾[عبس: ١-١٠]. فإن الفضاضة التي عومل بها هذا الرجل الأَعمى صورة من صور القسوة في التعامل التي ندد بها القرآن الكريم لإنتهاكها لكرامة هذا الشخص. 

 

#بل حتى مثل قوله تعالى:﴿ *قَولٌ مَعروفٌ وَمَغفِرَةٌ خَيرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتبَعُها أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَليمٌ* ﴾[البقرة: ٢٦٣], الذي يمثل موقفاً إنسانيا من حيث التصدق على الآخرين، ولكنه صورة مرفوضة عند القرآن الكريم حيث كان مصاحباً لقسوة في التعامل إذ يكون مع الموقف الإيجابي أذية نفسية للغير، فجعل القرآن الكريم إبداء الكلمة الطيبة أفضل من موقف إيجابي تهدر فيه كرامة الغير، وتنتهك فيه شخصيته.

 

#وكذلك في صور انتهاك الحقوق كما في قوله تعالى:﴿وَإِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَبَلَغنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمسِكوهُنَّ بِمَعروفٍ أَو سَرِّحوهُنَّ بِمَعروفٍ وَلا تُمسِكوهُنَّ ضِرارًا لِتَعتَدوا وَمَن يَفعَل ذلِكَ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ وَلا تَتَّخِذوا آياتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم وَما أَنزَلَ عَلَيكُم مِنَ الكِتابِ وَالحِكمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾[البقرة: ٢٣١]. فالإمساك إصرارا بهن صورة التجاوز القاسي على حق المرأة في إعضالها، وكذلك قوله تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ كَرهًا وَلا تَعضُلوهُنَّ لِتَذهَبوا بِبَعضِ ما آتَيتُموهُنَّ إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ فَإِن كَرِهتُموهُنَّ فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾[النساء: ١٩]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ يَأكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظُلمًا إِنَّما يَأكُلونَ في بُطونِهِم نارًا وَسَيَصلَونَ سَعيرًا﴾[النساء: ١٠]. وكذلك ذم القرآن الكريم صورة انتهاك حقوق الناس المالية بطرق غير مشروعة ولو كانت باسم شيء مقدس كما في أسم الدين، كما في قوله تعالى: ﴿ *يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّ كَثيرًا مِنَ الأَحبارِ وَالرُّهبانِ لَيَأكُلونَ أَموالَ النّاسِ بِالباطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ * يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ* ﴾[التوبة: ٣٤-٣٥]، ففي الوقت الذي يشجب فيه القرآن الكريم هذه الصور القاسية من انتهاك شخصية أحد أو حقا له فإنه يضع إلى جانبه المعالجة الأخلاقية والقانونية الجزائية لتلك المعاملة.

#أما موقف القرآن تجاه تلك الصور، فانه ينظر إلى الإنسان على أنه صنيعته تعالى وخليفته في خلقه : { *لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* } [ التين : 4 ] ، وقوله : { *وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ* } [ غافر : 64 ], وكرامته تعالى له كرامة له بكله , فكما يكرم بدنه وشخصه :" *وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا* " (الأسراء :70) . والتعدي عليه هو تعدي على الإنسانية :" *مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا* " (المائدة:32) . 

 كذلك يكرم بشخصيته ويحفظ بها عن كل ما يسيء إليها من قول او فعل :" *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ* " (الحجرات:12) . #فحقوقه الشخصيه تمنع عن أن يظن به سوءا , أو يُتجسس عليه , أو أن يُتحدث عنه في غيابه , الذي ربما يسمى بالنقد أو ما شابه , واي تشبيه أشد من أكل لحمه ميتا ؟

 

وبحفظ شخصية الفرد وصون كرامته تحفظ شخصية المجتمع وتحفظ كرامته :" *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* "(الحجرات :11) .   

  فالتفاوت بين الناس مهما كان وبكل صوره لا يبرر التعدي على حقوق الغير , شخصاً , وشخصيةً , والفوارق الشخصية , إنما هي تكامل إجتماعي بين الناس , والتنافس لا يسوغ هدر كرامة الأخرين , ويبقى جانب التنافس متمثل بشيء واحد فقط لا يقبل غير كونه نقيا :" *يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ* "(الحجرات : 13) .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار