المقالات والبحوث
بين يدي السيد الشهيد
بقلم الشيخ حسن عطوان
هناك أتجاهان في الحوزة العلمية :
إتجاه : يرى أنَّ الواجب علينا هو أنْ نقول :
أنَّ الظلم حرام ، والربا حرام ، وما الى ذلك .
وإتجاه آخر : يرى أنَّ الواجب مضافاً لذلك هو أنْ نقول للظالم أنت ظالم ، وللمرابي أنت مرابي .
الأول وإنْ كان يرى أنَّه يجب التدخل لتشخيص الموضوعات التي لايبقى للإسلام بيضة بدونها ، ولكنّه نادراً ما يطبق ذلك عملياً .
بينما الثاني يتصدى للتطبيق العملي لذلك .
الأول يرى أنَّه إنْ أقيمت الدولة الإسلامية فأمر جيد .
والثاني يرى وجوب السعي لإقامتها .
الأول ينَظِّر أنَّ العالم كالشجرة يُقصَد ولا يَقصد .
والثاني يرى أنَّ العالِم كما كان الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
" طبيباً دوّاراً بطبه " .
الأول : فيه حفظ للنفوس والحوزة .
والثاني في مسيرته تضحيات جسام ودماء حمراء .
والنفوس تميل للمزاج الأول ؛ لأنه يحفظ للناس شيئاً من دنياها مع مشروعية ؛
ولذلك كان هذا الإتجاه ولم يزل هو الشائع السائد .
بخلاف الثاني فأنصاره قلة ، بقلة المسْتَعِدين للتضحية .
لا أُريد أنْ أقول أنَّ الأول يتقصد حفظ دنياه فحسب ، إذ لعل الدليل قد أوصله الى ما يبني عليه ، ولعله في ذلك يستند الى ركنٍ وثيق .
لكن النتيجة أنَّ أصحاب الإتجاه الثاني يختمون حياتهم بدم أحمر قانٍ وتضحيات جسام .
وأنت حينما ترى تلك التضحيات لأجل المبدأ من قبل أصحاب هذا الإتجاه لايمكنك إلّا أنْ تقف بإزائهم بإجلال كبير ؛ لأنَّهم يَقْدمون على ذلك وهم يعلمون جيداً بأنَّ الدنيا لا تمد لهم ذراعيها ، وأنَّهم لن يجدوا أنصاراً مستعدين لدفع تلك الضريبة الضخمة إلّا القلة .
لكنهم مع كل ذلك يَقْدمون على مثل هذا الموت الأحمر بقلوب مطمئنة ؛ لأنّهم يرون أنَّ تكليفهم مجابهة الطغاة ، مهما كلّف الأمر .
واضحون صريحون أبطال ، هم من نحو الرجال يجيدون صناعة الموت الذي لاتكون الحياةُ حياةً إلّا به ، مع أنّهم نحريروا العلم والفقاهة إنْ جدَّ جدُّهما .
وسيدنا الشهيد محمد الصدر ( قدست نفسه الزكية ) الذي نعيش ذكرى إستشهاده أحد أبرز قادة هذا الإتجاه .
هذا العالم العامل بعلمه ، المظلوم الى هذه اللحظة حتى من قبل مَن ينتسبون لخطه ؛ لأنَّ بعضهم لم يكونوا " زيناً " له ، بل كانوا " شيناً " عليه .
إنما أُشير لذلك لأنه قد هالني وأقلقني وأنْا أسمع ولو همساً ! أنَّ بعض الأخطاء هنا وهناك بدأت تنسحب على الصدر الشهيد ، للتشكيك بعظمة فكره وعلمه وقداسته ونظافة خطه .
الإنتماء لخط الصدر ، كما هو الإنتماء لخط عليٍ ، مسؤولية كبيرة ، مع حفظ الفرق بين المعصوم وغيره .
وورثة هذا الخط هم ذلك التيار الذي يؤمن بذلك المبدأ الناصع ، وإنْ لم يكونوا بالضرورة من أتباع مَن يحصرون بإنفسهم إرث ذلك الخط العظيم .
ف ( فينا ) التي قالها الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كلمته : ( مَن كان باذلاً فينا مهجته ... )
تعني في الخط والرسالة والمنهج لا في الأشخاص ، وإنْ أتحد الخط والشخص في ذات المعصوم .
سلامٌ على الصدر الشهيد يوم ولد ويوم ظُلم ويوم أُستشهد ويوم يبعث حيا .
عظم الله اجوركم .
[ حسن عطوان ]
© Alhawza News Agency 2019