المقالات والبحوث

اثبات ولاية امير المؤمنين بدليل العقل ـــــــــــ الشيخ كامل الدراجي

اثبات ولاية امير المؤمنين بدليل العقل  ـــــــــــ الشيخ كامل الدراجي
المصدر: (واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
التحديات التي تواجه الدين الإسلامي تحديات كثيرة وتمتاز بالتنوع وتعدد الخنادق، ولعل من أهم هذه التحديات وأخطرها هو التحدي الفكري على اختلاف أساليبه ومصادره، وتعتبر مسألة عقلنة الدين من أهم ما يثار في هذا المجال، حيث ترتفع بعض الصيحات المطالبة بعقلنة الدين، وأنه لا يصح قبول أي فكرة دينية على مستوى الأصول والفروع إلا إذا قام عليها الدليل العقلي، وتم أثباتها من خلال البرهان القطعي، وأن الاستعانة بالنصوص الدينية أمر مرفوض.
ولما تزامنت هذه الصيحات مع ما حققه العقل البشري من انجازات على المستوى الصناعي فقد اكتسبت أهمية كبرى لدى بعض الناس وبالذات المثقفون الذين لا ينتمون إلى التخصص في المجال الديني، كبعض الفلاسفة والأدباء وحملة الشهادات الأكاديمية، خصوصا وهم يرون تلك الانجازات المهمة التي تحققت على يد العقل البشري كالطائرات وناطحات السحاب والتطور الهائل في الالكترونيات ووسائل الاتصالات.
وبغض النظر عن المناقشة في دعوى عقلنة الدين، فهل يمكن أن نثبت ولاية أمير المؤمنين (ع) بدليل العقل، ومن خلال اقامة البرهان، استجابة لهذه الصيحات أو قطعا للطريق عليها أو لا يمكن ذلك؟ أعني أنه لو قبلنا بطرح دعاة العقلنة، ورفضنا الاستفادة من النص الديني (قرانا وسنة) واردنا تحكيم العقل في هذه المفردة الدينية، فهل سنصل إلى اثبات الولاية لأمير المؤمنين (ع) بحكم العقل؟ وهل يمكن الوصول بحكم العقل إلى نفس النتيجة التي تستفاد من النص الديني في اثبات الولاية وهو حديث الغدير؟
والجواب عن ذلك هو إن حديث الغدير وهو حديث متواتريثبت ثلاثة أمور مهمة:
الأمر الأول: أن النبي (ص) لم يترك أمته بلا قائد يدير أمورها، ويقوم اعوجاجها، ويأخذ بيديها نحو العدالة الاجتماعية، بل عين لها القائد باسمه وأخذ له البيعة بنفسه.
الأمر الثاني: إن هذا التعيين لم يكن باختيار النبي (ص) ولا بترشيح أحد من البشر، وإنما هو اختيار الهي محض.
الأمر الثالث: أنه (ص) بين ذلك القائد بأمر الله تعالى، وهو الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ولم يكتف بتربية الأمة لتقود نفسها بنفسها، أو تختار القائد باعتبار توفر بعض الصفات، ولذا فالتنازل عن نص يوم الغدير يعني بالضرورة التنازل عن هذه الأمور الثلاثة جميعا، وعقلنة حديث الغدير تعني اثباتها جميعا من خلال العقل المجرد عن الاستعانة بالنص الديني.
أما بالنسبة إلى الأمر الأول فيمكن اثباته بحكم العقل وبسهولة كبيرة، إذ لا يعقل من قائد حكيم واع حريص أن يترك أمته تتلاقفها الأمواج، وتحتوشها الأهواء، مع قربها من عصر الجاهلية، واعتيادها على العادات والتقاليد القبلية، لا يعقل أن يتركها سدى دون أن يعين لها القائد الذي يكمل المسيرة، ويحقق الهدف.
ولو تركها والحال هذا فهو خال من الحكمة، أي أنه لا يملك رسالة مهمة في الحياة، أو أنه يملك الرسالة ولكنه لا يعي المخاطر التي تحدق بها عند فقدانها القيادة، أو أنه يدرك هذه المخاطر التي تحدق برسالته ولكنه ليس حريصا عليها، وغير مبال بشأنها، وكل هذه الاحتمالات غير مقبولة لما عرف عن النبي (ص) من الحكمة والوعي والاهتمام بشأن الأمة حتى أنه لا يتركها من دون قائد عندما يذهب مسافرا ولو لأيام معدودة.
بهذا الدليل العقلي المركب نستطيع أن نثبت أن النبي (ص) لم يترك أمته من دون أن يعين لها القائد، وأن هذا التعيين لابد أن يكون بأمر الله تعالى، لأن النبي (ص) معصوم بحكم العقل، ولا يفعل إلا ما يؤمر به ويطلب منه، وبهذا يثبت الأمر الثاني.
وأما بالنسبة للأمر الثالث وهو أن المعين لقيادة الأمة بأمر الله وتنصيب نبيه هو الإمام علي (ع) فيمكن اثباته من خلال الأدلة العقلية الآتية:
1- من المسائل الثابتة تاريخيا أن أي أحد من المسلمين لم يدع أنه المنصوب لقيادة الأمة، سوى الإمام علي (ع)، ولو أن أحدا كان يملك هذا التنصيب لما سكت عن بيانه، في سقيفة بني ساعدة، أو فيما تلاها من الأحداث أيام خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وحيث أنه قد تبين قبل قليل أن النبي (ص) لم يترك أمته بلا قائد فلابد أن يكون أمير المؤمنين (ع) هو القائد المنصوب بحكم العقل والوجدان.
2- إن الإمام علي بن أبي طالب (ع) هو أعلمهم الصحابة وأعدلهم، وأحرصهم على الإسلام والمسلمين، وأكثرهم تضحية في سبيل الله، وهي صفات ثابتة تاريخيا، ولا يشكك فيها إلا المكابرون، ومن كانت هذه صفته لا يليق بالقيادة غيره، بل لا يصح تنصيب سواه، للزوم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح بحكم العقل، والله تعالى لا يفعل القبيح.
وبهذين الدليلين يتجلى حكم العقل بأن الإمام أمير المؤمنين (ع) هو ولي الأمة وقائدها، ويكون حكم العقل مطابقا لحديث الغدير في الأمور الثلاثة جميعا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار