المقالات والبحوث

تجليات مفهوم السياسة في بيعة الغدير ✍️ ام حوراء النداف

تجليات مفهوم السياسة في بيعة الغدير  ✍️ ام حوراء النداف
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

تجليات مفهوم السياسة في بيعة الغدير

 

✍️ ام حوراء النداف

 

بمجرد ان تطرق كلمة سياسة اسماعنا حتى تنصرف اذهاننا نحو طبقة معينة من الشخصيات المجتمعية القائمة على (التحكم) في أمور العباد والبلاد، مما يثير في نفوس الكثيرين حالة من الامتعاض الممزوج بالغضب جراء ما تعيشه البلاد من أوضاع متردية وعلى جميع الأصعدة في ظل حكومة هؤلاء الأشخاص مدعي السياسة!

ولكن من اين جاءت السياسة بهذا الصيت السيء؟

وما الذي جعل غالبية المنتسبين لها موضع شبهة؟

وهل هي من العلوم المستحدثة؟

جاء في لسان العرب ان معنى كلمة سياسة هي ساس الأمر يسوسه سياسة اذا دبر الأمر فأحسن التدبير . ويدل كذلك على تدبير شؤون الحكم والدولة٠ ١

والتدبير هو حسن التنظيم والترتيب بما يضمن نتائج جيدة. ٢

اذا هو معالجة المشكلات بحسن التدبير. وهذا يشمل مديات واسعة من افراد المجتمع ،فكل فرد منهم إما ان يكون سيدا او مسودا واحيانا كليهما؛ابتداءا من ربة المنزل مرورا بالمعلم والطبيب والموظف.....انتهاءا برئيس الدولة.

وكلمة “ سياسة “ هي الترجمة العربية لكلمة Politics، المشتقة من الكلمة اليونانية الأصل Polis ومعناها دولة المدينة، ولأن المدن اليونانية القديمة كانت وحدات سياسية قائمة بذاتها أو دول، فقد ارتبطت الكلمة من البداية ارتباطاً وثيقاً بالدولة، وأصبحت السياسة من 

المنظور الأكاديمي، هي علم الدولة أو العلم الذي يعتني بكيفية إدارة شؤون الدولة٣.، ويعتبر عالم السياسة الأمريكي" دايفيد إيستون David Easton "هو أشهر من عرفوا “ السياسة “ لكن بمفردات معاصرة حيث عرّف السياسة باعتبارها عملية “ تخصيص سلطوي للقيم “،٤ اي جعل القيم خاضعة لارادات الحكومات بما يضمن معالجة مشكلاتها السلطوية. وهذا التعريف الى حد ما هو الوجه الاخر للمفهوم السائد بأن السياسة هي"فن الممكن"،

وهو تعريف كلي مجمل لمفهوم كلي مجمل؛ لان الفن يعني الذكاء والخيال والمهارة والذوق الرفيع في التأليف بين العناصر المادية او المعنوية المتاحة، مما ينم عن الخبرة في التنظيم والدراية بالمخرجات او مايمكن تسميته بحسن التدبير.

وهي ان صح الوصف حالة من الانفعال النفسي والعقلي مع البيئة الموضوعية للأنسان المنفعل بهذه العلاقة المتبادل استنادا الى كونها نحو من المعالجات القائمة على حسن التدبير وفق ما هو ممكن ومتاح لتحقيق افضل النتائج المرجوة .

وهنا تكمن المشكلة إذ ان هذا الانفعال قد يكون سلبيا لا يتسع إلا لمصالح فئوية ضيقة، فأصطبغت السياسة بالصبغة السلطوية النفعية مما اكسبها صيتا سيئا كونها اضحت وسيلة للغزو وتحصيل الغنائم! وبات كل من ينتسب إليها موضع شبهة وتشكيك!

  وقد يكون انفعالا ايجابيا منفتحا على جميع المفردات البيئية الحية وغير الحية؛من إنسان و حيوان ونبات وماء وهواء......الخ. وهو مستوحى من السياسة الربانية التي ساس بها رب العباد شؤن مخلوقاته على احسن ماتكون السياسة، وذلك بأعتراف الملحدين قبل الموحدين إذ يقفون مبهورين آزاء النظام الكوني ودقة قوانينه ."إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيْعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوْهُ أَفَلَا تَذَكَّرُوْنَ "(3) يونس

ونجد اثار تلك السياسة الكونية المتقنة في منهجية تعامل الانبياء مع مجتمعاتهم، كيف لا وهم تلاميذ المدبر العظيم الذي ارسلهم رحمة للعالمين.

ولعل اوضح مصداق هو الدولة التي اسسها رسول الله (صل الله عليه وآله)في المدينة المنورة كأنموذج حي للسياسي البارع في ارساء قواعد دولة المؤسسات القائمة على احترام الحقوق وأداء الواجبات والالتزام بالقوانين والانتفاع من خيرات الأرض بالزراعة والعمران.....

فأزهرت براعم الحضارة الإسلامية وبدأ شعاعها ينتشر رويدا رويدا على ربوع ارض الحجاز.

وللحفاظ على هذه الثمرة الطيبة والتي بذلت الجهود المضنية في سبيل انضاجها، كان لابد من وجود استمرارية لذلك الخط الانفعالي الايجابي الرباني.

فكما ان الحق سبحانه قد ساس امور عباده بمشيئته وقدرته، كان من حسن سياسته أنه اختار لخلقه خيرة عباده لإدارة شؤن حياتهم لعلمه بضعفهم وغلبة الشهوة على طباعهم الأمر الذي يستجلب عليهم المصائب والويلات،

ثم اختار اوصياء حفظة لكتاب الله ونهجه القويم قادة الأمم واولياء النعم، وعناصر الابرار، ودعائم الاخيار، وساسة العباد، واركان البلاد، كما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة.

وكان سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو التلميذ النجيب لخاتم الانبياء من ابرع الحكام واعدل السلاطين وقد شهد بحسن سياسته وتدبيره القاصي والداني، لا لشيء إلا لانه اتبع المنهج الرباني في إدارة شؤن الخلق وإصلاح احوالهم.

{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ }[الحج:41].

وقد جاء

 

في موسوعة ألامام علي عليه السلام قوله : (ما أصبح في الكوفة أحد إلا ناعماً-أي مرفَّهاً-، وإن أدناهم منزلة ليأكل من البر، ويجلس في الظل -له مسكن-، ويشرب من ماء الفرات)والكوفة في ذلك الوقت، كانت مصراً عظيماً، ذات كثافة سكانية، وتنوع في الاعراق يسكنها العرب والعجم. ٦ 

فحكومة أمير المؤمنين في الكوفة إنما هي امتداد لحكومة معلمه الاول في المدينة المنورة صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.

لذا حق علينا ان ننظر الى عيد الغدير كمصداق للسياسة القائمة على اصلاح شؤن العباد بحسن التدبير، وهو الناقوس المدوي في ضمائر الامم والشعوب ليذكر بمن اختاره الله وبلغ به نبيه الخاتم، حافظا لنهج النبوات حافظا للحرمات والكرامات، ومن اختاره الانسان لنفسه! وصدق قوله تعالى"اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" المائدة 3

 

إذا السياسة ليست علما مستحدثا بل هي منهجا رباني قائم على اساس اصلاح شؤن العباد والبلاد فإن لم يكن كذلك فهو ليس إلا الشيطنة٧ على حد قول امير المؤمنين في وصفه لسياسة معاوية، لانها سياسة ابليس اللعين تنفذ للمجتمعات عبر اولياءه "والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون" البقرة255

 قال الامام علي عليه السلام: يا أهل الكوفة! والله لَتَجِدُّنَّ في أمر الله، ولتُقاتِلُنَّ على طاعة الله، أو ليَسُوسَنَّكم أقوام أنتم أقرب إلى الحق منهم، فليعذبنكم ثم ليعذبنهم.  (المجلسي /بحار الانوار 8)٨

 

 

الهامش

١لسان العرب لابن منظور

٢ المعجم اللغوي،مختار الصحاح بتصرف.

٤ الموسوعة السياسية

٥ نفس المصدر السابق

٦موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري

٧ الكافي للشيخ الكليني ج١

٨بحار الانوار للعلامة المجلسي ج٨

٩ القران الكريم

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار