المقالات والبحوث

(حينما تقتل الطفولة) ✍️ السيد فاضل الجابري

(حينما تقتل الطفولة)  ✍️ السيد فاضل الجابري
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

(حينما تقتل الطفولة)

 

✍️ السيد فاضل الجابري

 

 

بسمه تعالى

الطفولة، عالم مخمليّ، مزدان بقلوب كالدرر، وأرواح باذخة الطهر. الطفولة تعني البراءة والنقاء والصفاء والفطرة السليمة , بل تعني الجمال بكل معانيه . 

اليوم نريد الإشارة الى اصغر شهيد من شهداء كربلاء المأساة والتراجيديا , كربلاء ملحمة الإسلام , حيث تجسد فيها الفداء والصبر والشجاعة والإخلاص والوفاء وكل القيم التي يتصورها الانسان . كربلاء التي نجد فيها جميع الصور المتخيلة , صورة الشيخ الكبير والمرأة العجوز , وصورة الشاب اليافع الشجاع المتفاني في حب الله , وصورة الطفل الصغير الذي يمثل قمة البراءة , وصورة الامام المعصوم وحفيد رسول الله , وصورة النساء الثاكلات الصابرات , وصورة الشموخ والكبرياء والايثار وعشق الشهادة في سبيل الله وغير ذلك من الصور العجديبة التي اجتمعت كلها في ملحمة دامية واحدة اسمها ملحمة عاشوراء كربلاء.  

كربلاء التي تفصل بين معسكرين يمثل الأول الصفوة من عباد الله واوليائه واحبائه والمضحين من اجله والسائرين على صراطه المستقيم وهو معسكر سيد الشهداء الامام الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام . 

والمعسكر الثاني يمثل الانحطاط البشري والكفر والظلم والقسوة وانعدام الإنسانية , والغدر والمكر والتسافل في كل شيء , وهو معسكر يزيد بن معاوية , وعبيدالله بن زياد واتباعهم . 

وقد ارتكب المعسكر الثاني الكثير من الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية ويتبرأ الشرفاء والاحرار منها , واذا اردنا ان نتفحص الأسباب والعوامل التي دعت هؤلاء الى هذا السلوك العدواني الفضيع بحيث يستسيغون ذبح طفل صغير لا يتجاوز عمره الستة اشهر وهو بين ذراعي والده فسوف نجدها أسبابا نفسية وتربوية تولدت منها كل هذه القسوة والوحشية , وهذا بلا شك ينطبق على كل زمان , ولذا فان ما نجده اليوم من توحّش وقساوة وجرائم وانحرافات .. ما هي الا نتائج تربويات سقيمة وانحرافات سايكلوجية خطيرة ومشروعات ايديولوجية لا تعرف الا العنف وخطايا اجتماعية لا تعرف الا الجنوح والفساد ..

لقد اختلطت المفاهيم وتوحّش المجتمع واغترب عن انسانيته . لقد وقفنا على انواع من قتل الطفولة البريئة بكل وحشية وعهر .. انهم يقتلون هذه المخلوقات الجميلة من دون تمييز .. انهم وحوش ضارية لا تعرف الرأفة ولا الرحمة ولا الشفقة.. لقد ماتت احاسيسهم. وعميت ابصارهم وصدئت قلوبهم ولم يعد يرون الا الوهم حقيقة متمثلا امام مكبوتاتهم ولا يتورعون في قتل كل البشرية من اجل قيم فاسدة لا ندري من اين اكتسبوها وزرعوها في صدورهم، كيف تجسد مشروعهم في القتل بمثل هذا الجنون الذي لا يعرف الا سفك الدماء واشباع الغرائز والشهوات ..

انهم يوغلون في البلادة بحيث لا يفرقون بين الموت والحياة . ان كل من يمتلك ذرة من الايمان بالله وبكل القيم سيهتز من اعماقه وهو يرى الطفولة البريئة تذبح بمثل سهم محدد . 

ان هذه الجريمة هي ايضاً دليل واضح على كفر وفساد يزيد (لعنه الله) الذي استباح محارم الله وارتكاب أبشع الجرائم في التاريخ، والتي يحاول البعض تزيفها من خلال قلب الحقائق وتغير الوقائع التاريخية، والعمل على تبرير تلك الجرائم من اجل الحصول على مكاسب شخصية، فمن يعمد على قتل الاطفال من اجل السلطة والمال هو مجرم وخارج عن الاسلام و رسالته الانسانية السمحاء، فالطفل الرضيع (ع) كان الحجة الكبرى لمظلومية الامام الحسين(عليه السلام) الذي حمل كل قيم وتعاليم الدين الحنيف وسعى الى تثبيت القيم الانسانية.

ان هذا الطفل هو عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، المعروف بعبد الله الرضيع أو علي الأصغر. هو أصغر شهيد بين شهداء كربلاء. رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهمٍ في يوم عاشورء وهو في حجر أبيه فأصاب نحره فذبحه.

روى ابن طاووس في كتابه اللهوف على قتلى الطفوف: لما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته عزم على لقاء القوم بمهجته، ونادى: هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل من موّحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟

فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب: ناوليني ولدي الصغير حتى أودّعه، فأخذه، وأومأ إليه؛ ليقبله، فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه. فقال لزينب: خذيه ثم تلقّى الدم بكفيه، فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء، ثم قال هوّن عليّ ما نزل بي إنه بعين الله. قال الباقر عليه السلام: فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.

ولقد ذكرت أغلب الروايات أن الإمام الحسين (ع) قام بدفن رضيعه الشهيد خلف الخيام، حيث حفر له بسيفه قبراً ووسّده فيه. "وذكرت بعض الأخبار أن الحسين (ع) أوصى ولده علي بن الحسين (ع) بدفن ولده الرضيع إلى جنبه قائلاً له: بني علي إذا أتيت لمواراة الأجساد وسد رضيعي إلى جنبي، فدفنه زين العابدين (ع) مع أبيه الحسين (ع).

ذكر في زيارة الشهداء: "اَلسَّلاَمُ عَلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، اَلطِّفْلِ اَلرَّضِيعِ واَلْمَرْمِيِّ اَلصَّرِيعِ، اَلْمُتَشَحِّطِ دَماً، الْمُصَعَّدِ دَمُهُ فِي اَلسَّمَاءِ، اَلْمَذْبُوحِ بِالسَّهْمِ فِي حِجْرِ أَبِيهِ، لَعَنَ اَللَّهُ رَامِيه حَرْمَلَةَ بْنَ كَاهِلِ اَلْأَسَدِيَّ وذَوِيهِ .

السيد فاضل الجابري

النجف الاشرف

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار