المقالات والبحوث

عبر ودروس في قصة زكريا ويحيى(عليهما السلام) ✍️ العلامة المحقق الشيخ جعفر السبحاني دام ظله

عبر ودروس في قصة زكريا ويحيى(عليهما السلام)  ✍️ العلامة المحقق الشيخ جعفر السبحاني دام ظله
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

عبر ودروس في قصة زكريا ويحيى(عليهما السلام)

 

✍️ العلامة المحقق الشيخ جعفر السبحاني دام ظله

 

 

تعطينا قصة زكريا (عليه السلام)دروساً في الحياة، منها:

1. يجب أن لا يقطع الإنسان أمله من رحمة الله حتّى في الظروف القاسية الّتي تنقطع فيها الأسباب والوسائل الطبيعية، لأنّه سبحانه قادر على استجابة دعاء الإنسان وتحقيق حاجته عن طريق غير عاديّ.

2. إنّ الولد وإنْ كان نعمَ العضُد والعَون لأبيه، ولكن ليس كلّ ولد عضداً ومساعداً ومعيناً، بل هو الولد الطيب المرضيّ عند الله كما ورد في دعاء زكريا، حيث قال: (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)وقال: (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً). وقد وصف الله سبحانه عباد الرحمن بأنّهم هم الذين يطلبون من الله أن يهبهم ذرية تكون قرّة أعين لهم، كما قال: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

3. إنّ الأنبياء يُورثون كسائر الناس ولا وجه لحرمان أولاد الأنبياء من الإرث، فإنّما لا يتوارث أهل ملّتين لا أهل ملّة واحدة كما احتجّت بذلك الزهراء(عليها السلام)عند حرمانها من ميراثها، ولذلك ورث يحيى ما لزكريا من الأموال.

4. إنّ زكريا (عليه السلام)طلب من ربّه ولداً رضيّاً، حتّى يرثه، ويحجب الموالي (بنو عمّه) الذين كانوا ـ كما ورد في الأخبار ـ غير صالحين، عن وراثته .

وهذا الأمر، يدعو الإنسان إلى أن يفكّر في مصير أولاده وأن يهتمّ فيما يتركه من الأموال حتّى لا يسيطر عليها الطالحون فيصرفونها في غير ما يرضي الله سبحانه .

5. يجب أن يكون الرجاء مقترناً مع الخوف، فالرجاء المنفصل عن الخوف يورث الطغيان، كما أنّ الخوف المجرّد عن الرجاء يوجب اليأس، فالرجاء مع الخوف من العوامل البنّاءة للحياة السعيدة، والخاسر مَن اعتمد على الرجاء وغضّ النظر عن الخوف، وبالعكس.

6. جرت سنّة الله تعالى على أن يخصّ عباده المخلَصين بالمواهب، وهم في مرحلة الشباب أو الكهولة، ولكن ربّما تقتضي حكمته سبحانه أن يؤتيهم المواهب والكرامات وهم في سنّ الطفولة والصِّبا، ويكون لهم شأن خطير في مجتمعاتهم، وقابلية واستعداد على التذكير والتوجيه والإرشاد والقيادة.

ومن هنا لا ينبغي إخضاع أمثال هذه الشخصيات للمقاييس المألوفة لجُلّ البشر، فهم يُنكرون أو يستبعدون توافر هذه المزايا والمؤهّلات في مثل هؤلاء الأشخاص، الذين تستضيء بأنوارهم أُممهم، وهم في عمر كواكب الأسحار، فالله هو الّذي يختار بعلمه من يُجزل له من عطائه، ويفيض عليه من كرمه، و (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).

وقد تجلّى هذا العطاء الإلهي في النبيّ يحيى (عليه السلام)، الّذي آتاه سبحانه الحكم وهو صبيّ، وأضفى عليه من الصفات والسمات، ما جعله سيِّد قومه في علمه وحكمته وأخلاقه، وملاذاً يلجأون إليه في مهمّاتهم وشؤونهم الدينية.

7. إنّ أنبياء الله هم الأُسوة لنا في حياتنا، فالنبيّ يحيى (عليه السلام)كان زاهداً، تقيّاً، مجتنباً للمعاصي، صائناً لنفسه عن ملذّات الحياة الدنيا، مستجيباً لطاعة الله، منتهجاً شريعته الغرّاء، وفي الوقت نفسه كان بارّاً بوالديه محسناً إليهما، عطوفاً على الناس غير متجبّر عليهم ولا ظالم لهم، وبهذا استحقّ هذه المنزلة الخصيصة عند ربّه، والسيادة على قومه .

8. يستفاد من قصة يحيى (عليه السلام)(من خلال الروايات والأخبار) أنّ أتقى الناس وأشرفهم وأكرمهم عند الله تعالى قد يُقتلون بيد الأشقياء والأشرار، فتُحرم الأُمم من بركاتهم وعطاءاتهم وأنوارهم، بفعل استهتار هؤلاء الظالمين بأرواح الأبرار، وبالقيم والمبادئ الّتي يحملونها ويسعون إلى بثّها ونشرها بين الناس.

فالنبي يحيى (عليه السلام)قد قتله الحاكم الظالم، وأَهدى رأسه إلى إحدى البغايا، استجابة لنزوة تافهة، وحقد أعمى .

وما أشبه الّذي جرى لريحانة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)الإمام الحسين (عليه السلام)، بما جرى ليحيى (عليه السلام)، إذ قُتل السبط(عليه السلام)بيد أحد الفجرة، وأُهدي رأسه إلى لعين ناكر للوحي والنبوّة على رؤوس الأشهاد، إذ تمثّل يومئذ بأبيات ابن الزِّبَعْرى، وزاد فيها (يزيد) هذا البيت الطافح بالكفر:

لعبتْ هاشم بالملك فلا *** خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

والحديث ذو شجون.

------------------------

????منية الطالبين في تفسير القرآن المبين/ ج 17/ص267

.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار