المقالات والبحوث

♦️وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ "١" ✍️ الشيخ عماد مجوت

♦️وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ  "١"  ✍️ الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 ♦️وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ "١"

 

✍️ الشيخ عماد مجوت

 

 

      الشوق للكمال وقصده فطرة إنسانية تتجلى في التعلق بالكاملين من الناس، وأفضل الكمال كمال الأخلاق ، #و من فتش الدنيا ظهراً لبطن لم يجد ولن يجد خلقا أكمل وأشرف وأتم من خلق الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم), وأي تزكية له بعد الله تعالى العالم بحقائق الأمور حينما يقول له : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾ [القلم: ٤]. كلمة لم تقل حتى لأنبياء أولي العزم عليهم السلام.

 

#وواحدة من مفردات ذلك الخلق العظم (تصديقه لأهل الإيمان، وعدم إظهاره التكذيب لأهل النفاق) كما أخبر عنه تعالى في قوله : ﴿وَمِنهُمُ الَّذينَ يُؤذونَ النَّبِيَّ وَيَقولونَ هُوَ أُذُنٌ قُل أُذُنُ خَيرٍ لَكُم يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنينَ وَرَحمَةٌ لِلَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَالَّذينَ يُؤذونَ رَسولَ اللَّهِ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [التوبة: ٦١].

#وقد روى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ في سبب النزول أنه: " كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نُفَيْلٍ كَانَ مُنَافِقاً، وَ كَانَ يَقْعُدُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فَيَسْمَعُ كَلاَمَهُ وَ يَنْقُلُهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، وَ يَنُمُّ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ،إِنَّ رَجُلاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَنُمُّ[عَلَيْكَ]، وَ يَنْقُلُ حَدِيثَكَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «مَنْ هُوَ؟».

 

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ الْأَسْوَدُ الْوَجْهِ، الْكَثِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ، يَنْظُرُ بِعَيْنَيْنِ كَأَنَّهُمَا قِدْرَانِ، وَ يَنْطِقُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ.

فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فَأَخْبَرَهُ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): « قَدْ قَبِلْتُ مِنْكَ، فَلاَ تَفْعَلْ ».

 

فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّداً أُذُنٌ، أَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنِّي أَنُمُّ عَلَيْهِ، وَ أَنْقُلُ أَخْبَارَهُ فَقَبِلَ. وَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَبِلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ يُصَدِّقُ اللَّهَ فِيمَا يَقُولُ لَهُ، وَ يُصَدِّقُكُمْ فِيمَا تَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ، وَ لاَ يُصَدِّقُكَ فِي الْبَاطِنِ، قَوْلُهُ : وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي الْمُقِرِّينَ بِالْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ ". تفسير البرهان ج٢ ص٨٠٦ .

 

#فكانوا يقولون عنه ﴿أُذُنٌ﴾ أي يَسْتَمِعُ لِكُلِّ مَا يُقَالُ لَهُ، فَيُصَدِّقُهُ. وهو ما يتصوره المنافقون منقصة له ( صلى الله عليه وآله وسلم) في حين زكاه القرآن بقوله : ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي يُصَدِّقُ المُؤْمِنِينَ فِيمَا يُخْبِرُونَهُ. #وهذه أعظم موعظة في ثقافة التعامل مع الناس، مؤمنهم ومنافقهم؛ حيث يكرم المؤمن بالتصديق ولا يهان حتى المنافق بالتكذيب.

 

#ومن هنا جرت السنة في تصديق مقالة المؤمن متابعة للحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم) فقد روى الْعَيَّاشِيُّ : عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، قَالَ: « إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَبْضِعَ فُلاَناً بِضَاعَةً إِلَى الْيَمَنِ، فَأَتَيْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْتَبْضِعَ فُلاَناً ؟ 

فَقَالَ لِي: أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؟».

فَقُلْتُ : قَدْ بَلَغَنِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ : « صَدِّقْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ».

فَقَالَ: « يَعْنِي يُصَدِّقُ اللَّهَ وَ يُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُ كَانَ رَءُوفاً رَحِيماً بِالْمُؤْمِنِينَ ». تفسير البرهان ج٢ ص٨٠٧.

 

#ونحن مدعوون اليوم لتصديق المؤمنين متابعة للحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم إحراج حتى الكاذب محبة به (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنه الأسوة الصالحة في الأخلاق :﴿لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا﴾[الأحزاب: ٢١].

#وثمن المتابعة محبة الرحمن لنا :﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١].

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار