المقالات والبحوث

الإسلام يدعو الى حرية الإنسان وكرامة البشر ، بقلم الشيخ حيدر اليعقوبي(دام عزّه)

الإسلام يدعو الى حرية الإنسان وكرامة البشر ، بقلم الشيخ حيدر اليعقوبي(دام عزّه)
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


الإسلام يدعو الى حرية الإنسان وكرامة البشر ، بقلم الشيخ حيدر اليعقوبي(دام عزّه)

كلمة لابد منها في يوم ٢/ كانون الأول (ديسمبر) الذي تعتبره الأمم المتحدة يوماً عالـمياً لإلغاء الرق ، أو القضاء عليه ، مع التنبيه الى ان هذه القوانين والإجراءات كانت تتعامل مع مشكلة العبيد في تلك الدول ، فهي تهدف الى التخلص من ظاهرة الرق والرقيق التي كانت منتشرة في تلك البلدان ، ولم يكن المقصود بها الإسلام ، لأن البلاد الإسلامية في تلك الفترة ، لم تكن فيها هذه الظاهرة بارزة أو واضحة ، نعم كانت توجد حالات لكنها فردية وفي طبقات خاصة محدودة من المجتمع ..
هذه مقدمة أحببنا ذكرها، قبل أن نبدأ بتوضيح وبيان فلسفة ونظرة الإسلام وسياسته فيما يتعلق بقضية الرق أو الإسترقاق البشري أو إستعباد البشر للبشر .
مع التأكيد على ان الإسلام ليس مسؤولاً أبداً عن قضية الرق ووجود العبيد، فهذا واقع حال موجود وحاصل منذ القدم، بل هو قضية إجتماعية كانت سائدة ومعتادة في حياة البشرية منذ عصورها الأولى، بل لعلها كانت آنذاك من بديهيات العيش والحياة الإجتماعية.
واذا كان للإسلام دور أو فعل في قضية الرق والعبيد، فهو دور إيجابي وفعل إنساني؛ لأنه وإن تعامل مع هذه القضية على أنها واقع مفروض، الا أنه أسس لمرحلة مستقبلية يمكن ان تأتي في يوم من الأيام، يختفي أو يزول فيها الرق ..
فقد أسس الإسلام قواعد متعددة وأركان متنوعة لتحديد وتقييد هذه الظاهرة، ووضع شروطاً لها، وشرع آليات ووسائل لتقليلها أوتـحجيمها ، وبهذا يكون للإسلام يد السبق الأولى في الـحد من ظاهرة الرق، وفي تشريع قوانين الحماية والرعاية لهذه الطبقة من الـمجتمع .
الإسلام تعامل مع ظاهرة الرق على أنها حالة طارئة ينبغي أن تـخـتـفي و تـزول في يوم من الأيام .
وشرع لها القوانين والأحكام اللازمة على عدة خطوط ومسارات ..
الاسلام تعامل مع قضية الرق على انها مشكلة إجتماعية، وإعتبر الرق مـخالفاً للأصل البشري، حيث قرر ان الإنسان في أصله حر، وان الحرية هي الأصل في كل إنسان .
ولقد عمل هذا الدين الإلهي على مشروع التخلص التدريـجي من ظاهرة الرق، من خلال تشريع قوانين وضوابط تسير بـخطين متوازيين يكمل أحدهما الآخر، وإن إستلزم التخطيط وقتاً طويلاً على حسب الإمكان والقدرة الفعلية..
أما الـخط الأول فيكون العمل فيه لأجل تقليل فرص الإسترقاق، وتضييق الـخناق على أسبابه ومناشئه، من خلال وضع شروط وقيود عديدة لمشروعية البناء على ملكية شخص لشخص آخر، مع التأكيد على أن الإنسان مهما كان، هو حر في أصله ، الا اذا أقر على نفسه بأنه عبد، أو ثبت بدليل قاطع أنه مملوك لغيره بسبب تنطبق عليه تلك الضوابط والشروط اللازمة .
وأما الـخط الثاني فيكون العمل فيه لأجل تـحرير أكبر عدد ممكن من الرق الـموجود، من خلال تشريع قوانين ملزمة بالعتق أو مشجعة عليه.
فمن تلك التشريعات تشـجيع العتق بالتأكيد على إستحبابه وفضله وعظيم الثواب عليه ..
بل ورد أن عتق العبد أفضل من بيعه والتصدق بـثمنه على الفقراء.
ومن تلك التشريعات جعل العتق كفارة واجبة لبعض الـمخالفات الشرعية , كالإفطار في شهر رمضان، أو الحنث باليمين .
كذلك جعلت الشريعة مورداً من موارد الزكاة لتـخليص العبيد من الرقية والعبودية للبشر، بأن يصرف الـمال في تـحريرهم عن طريق دفع أثـمانهم.
ولن تـجد في العالم ومؤسسسات العالم تشريعات واعـية و مرتـبة وحافظة للـحقوق أكثر إنسانية وموضوعية وواقعية من التشريعات الإسلامية في معالـجة قضية الرق والإسترقاق البشري ..
في الإسلام، الـمعيار الـحقيقي والـمقياس الواقعي في كرامة الإنسان وشرفه وقيمته إنما هو تقواه وإلتزامه بشريعة رب العالمين .
فالجنة ورضا الله تعالى لمن أطاع الله تعالى ، ولو كان عبداً أو مملوكاً ، والنار وسخط الله تعالى لمن عصى الله تعالى ، ولو كان سيداً من أرقى العوائل والطبقات ..
والعبودية الـحقيقية لا تكون ولا تصح الا لله رب العالمين وخالق الخلق أجمعين، فإنه هو المالك الـحقيقي وهو المالك الفعلي ، وكل المخلوقات مـملوكة له و عبيد عنده ..
وفي معركة الطف إستغاث أحد الموالي ( أي العبيد ) بالإمام الحسين (ع) عند إصابته ، فأسرع اليه الامام الحسين (ع) وعانـقه ليخفف عنه آلامه ، فما كان من ذلك العبد السعيد الا أن قال : مَن مثلي ، وابن رسول الله واضع خده على خدي ..
مع العلم ان الحسين (ع) وضع خده على هذا الشهيد ، وعلى ولده علي الأكبر عند إستشهاده أيضاً ، في تطبيق واضح وتـجسيد حي لنظرة الإسلام ورؤيته لقيمة الإنسان الـحقيقية .
هذه حقيقة جوهرية أحببت أن أصدع بها للعالم اليوم , هذا العالم الذي صار ينتقد الـمُثل والقيم النبيلة، ويتباهى بالإنـحراف والإنغماس في الـمادية والشهوانية ..
هذا العالم الذي صار يستهين بالـمباديء والرسالات السـماوية التي أسسها الـخالق عزوجل لصالـح البشرية والـخلق أجمعين .
هذا العالم الذي صار من حيث يشعر أو لايشعر رقاً ومـملوكاً للشهوات النفسية والنزوات الغريزية من دون

يقاوم أو يـحاول تـحرير نفسه ..
هذا العالم الذي تستعبده اليوم وتسترقه شياطين الإنس والـجن، وتسلبه عقله وروحه وقـيمه، من دون أن يقاوم أو يـحاول تحـرير نفسه ..
ماذا فعل العالم اليوم وما الذي شرّعه وقنّنه للخلاص من هذه الـحالات و الـمظاهر الداخلة في عنوان الرق والإستعباد ..
مع أن الإسلام وضع الـحلول والـمعالـجات حتى لهذه الـحالات والـمظاهر، فلم يغفل عنها، ولم يعجز عنها؛ لأنه دين الله رب العالـمين وخالق الـخلق أجمعين .
العالم اليوم فيه إسترقاق الطواغيت لشعوبهم الـمقهورة، حيث يتسلط ديكتاتور بغيض ليس تعبد شعبه وين كل بهم ويستـخدمهم بكل ظلم وبشاعة لـتحقيق مصالـحه الشـخصية .
العالم اليوم فيه إسترقاق بعض الطبقات الـمتسلطة بالـمال أو بالـجاه أو بالـنفوذ أو بغير ذلك , للطبقات الـمسحوقة إجتماعياً أو عـرقياً .
اليوم يوجد إتـجار بالبشر عموماً , وبالنساء خـصوصاً , على مـستويات مـخـتلـفة , وبدرجات متزايدة , في العالم الـحديث الذي يصنفونه على أنه الأكثر تقدماً وإزدهاراً , وفي البلدان التي يعتبرونها قـمة الرقي والتطور الإنساني .
هذا العالم الذي لم ينجح الى الآن في تخليص نفسه من هذه المشاكل ..
بينما إستطاع الإسلام أن يربي المجتمع الإسلامي حتى أوصله الى مرتبة من الرقي والإنسانية بحيث صار يستهجن الرق وإستعباد البشر للبشر ، وينأى عن ذلك ، وينزه نفسه عنه ..
هذا هو واقع الإسلام الأصيل ، وهذه هي نتائج التربية الإسلامية الحقيقية ، وليست تربية الذين يلصقون أنفسهم بالإسلام وهو منهم براء ، لأنهم يشوهون صورته ، ويحرفون مسيرته .
( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار