المقالات والبحوث

مَن هو الشهيّد الأوّل، وما هو سبب استشهاده ؟

 مَن هو الشهيّد الأوّل، وما هو سبب استشهاده ؟
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


مَن هو الشهيّد الأوّل، وما هو سبب استشهادة ؟

الشهيّد الأوّل هو الشيّخ الشهيّد والرّكن العميد، شمس الملّة والدّين أبو عبد الله محمّد بن مكي بن محمّد بن حامد بن أحمد النّبطي العاملي الجزيني، وُلد في جزين من بلاد جبل لبنان بعد سنة 720 هـ جاءت له الزّعامة والمرجعيّة طوعاً وهي صاغرة بين يديه على الإطلاق بين عامي 771 هـ وبين 786 هـ بعد استاذه فخر المحققين، وحقاً كما قيل: بأنّه زعيم الزّعامة والمرجعيّة وليست هي من زينته، وقد بلغت مكانته العلميّة بين الفقهاء غايتها حتّى اشتهر القول في عصره: لم يكن بين فقهاء السّلف مجتهد سواه .
ويقال: إنّ الشيّخ الأنصاري سُئل : لماذا لم تمنح احداً درجة الاجتهاد ؟ قال: لم يحصل لدي القطع باجتهاد أحدد من العلماء إلّا باجتهاد الشهيّد الأوّل.
وقال بعض العلماء في تفسير الشيّخ الأنصاري: لعله كان يرى المجتهد الجامع هو الّذي يجمع الاجتهاد في البحوث الفقهيّة الاجتهاديّة اجتهاداً في مقدماتِها ، أي في الصّرف والنّحو والمنطق والكلام والتّفسير والاُصول، إذ لم يجد احداً بهذه المواصفات فإنّه لم يمنح أحداً درجة الاجتهاد.
لقد أحرز الشهيّدُ الأوّل الاجتهاد في البحوث الفقهيّة وفي مقدماتِها الصّرف والنّحو والمنطق والاُصول… على المذاهب الخمسة ولم يتحصل هذا الأمر لأحد غيره من علماء المسلمين .
لذا خافه سلاطين عصره وقُتلَ بالسيف مظلوماً شهيدا،ً ثمّ صُلب، ثمّ رُجم، ثمّ اُحرق جسدُه بالنار في التّاسع من جمادى الأولى سنة 786 ، برحبة القلعة في سوق الجمال بدمشق بعد أن سُجن عاماً ، ويُلقب بالشهيد على الإطلاق والشهيّد الأوّل.

أسباب استشهاده:

ومن أسباب استشهاده اهتمامه (رحمه الله تعالى) بترويج مذهب الشيعة الاماميّة، وسعيه لأقامة مركز ثقل وقوة للشيعة في الشّام، فقد كان كثير التّردد إلى دمشق لتعليم وارشاد الشيعة المقيمين فيها وارتباطه بعليّ بن مؤيد السّلطان الشيّعي العلوي ، وقد ألّف كتاب اللمعة الدمشقيّة له بقصد تفقهه في المذهب الإمامي ، وتنظيم دولته على أساس المذهب الشيعي ، لله دّره من عالم مخلد.
أطلَّ شهيدنا (قدّس سره) على الحياة الثّقافيّة من أوسع منافذها حتّى جالس منذ نعومة اظفاره ــ وبدافع من والده العالم الفاضل الشيّخ مكي جمال الدّين ــ علماء جبل عامل وجنوب لبنان، وخالط علماءها، و فقهاءها وارتاد ندواتها العلميّة، وشارك في حلقات الدّرس الّتي كانت تُعقد في المساجد والمدارس والبيوت، وكثيراً ما كان يُساهم في المناقشات التّي كانت تدور بين الأساتذة والطّلاب أو َالطّلاب أنفسهم ، فمنذ البدء تعود أن يبني لنفسه آراء مختصّة به في مختلف مسائل الفقه والأدب وغيرهما، حتّى أصبح مع صغرهِ يُشار له بالفضل والعلم ويُتوقع له مستقبل زاهرٌ ومشرق .
شَدَ الّرّحال وهو في أوائل ربيعه السّابع عشر أيّ في حدود سنة 761 إلى حيث يمكنه تلقي العلوم والمعارف ، فارتاد الحلّة وكربلاء المشرفة وبغداد ومكّة المكرمة والمدينة المنورة والشّام والقدس، وتركّز استقرارُه في الحلّة الّتي كانت آنذاك عامرةً بأساطين الفقه وعلماء المعرفة، حتّى أضحت قطباً حيويّاً، ومدرسة رائدةً من مدارس الفقه الشيعي، وفي ظلّ هذا الازدهار وتلك الحيويّة روّى الشهيّدُ ضمأه من أصفى منابع العلم وانقاها.

فتتلمذ على ولد العلامة فخر المحققين الّذي كان مِنْ أجل مشايخه وأعظم اساتذته واكثرهم دراسة عليه، فأولاه من العناية مالم يولها لغيره لما رأى فيه من النّبوغ المبكر والمواصفات الفريدة حتّى قال فيه: ((استفدت منه أكثر مما استفاد مني)). وقرأ على الفقيهين الكبيرين الأخوين عميد الدّين، وضياء الدّين ابني شقيقة العلاّمة (قدس الله أرواحهم الزّكيّة) وتتلمذ أيضاً على تاج الدّين المعروف (بابن معيّة) الّذي كان من كبار علماء الحلّة حينذاك، وفي دمشق قرأ على قُطب الدّين محمّد بن محمّد الرّازي الكلامي الكبير والفيلسوف النّحرير صاحب شرح المطالع والشّمسية وغيرها.

أساتذته من العامّة:

أمّا اساتذته ومشايخه من العامّة فهم كثيرون، منهم:
١ـ القاضي برهان الدّين إبراهيم بن جماعة.
٢ـ ومحمّد بن يوسف الشّافعي.
٣ـ وأبو العباس أحمد الحنفي النّحوي. ٤ـ والحافظ شمس الدّين محمّد بن عبد الله البغدادي الحنبلي وغيرهم كثير.
قال(قدس سره) في إجازته لابن الخازن: (وأمّا مصنفات العامّة ومروياتهم فإني أروي عن نحوٍ من أربعين شيخاً من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام إبراهيم الخليل (عليه السلام). وهذا لدليل جلي من دلائل عدة، وشاهد بارز من شواهد كثيرة على سمّو فكر علماء الشيعة ونقاء سريرتهم وعدم إبائهم من تلقّي شتّى العلوم والمعارف عن طريق علماء سائر المذاهب، مجردين أذهانهم بذلك عن كل حقدٍ وتعصب، بل لم يمنعهم علوّ مرتبتهم وجلالة مقامهم ـ باعتراف أكابر هذه المذاهب وفضلائها ـ من القيام بذلك.

تلامذته:

وأمّا تلامذته فهم كثرنخصّ بالذكر منهم:
١ـ الفاضل المقداد السّيوري، الّذي حلّ محلّ الشهيّد الثّاني لزعامة الشيّعة الإماميّة أعلى اللهُ كلمتهم، وزادهم علوّاً وشرفاً.
٢ـ وابن نجدة.
٣ـ والكركي.
٤ـ وابن الخازن الحائري الّذي له منه اجازة.
٥ـ وعزّ الدّين الحلّي، بنته العالمة أم حسن فاطمة الملقبة بـ(ست المشائخ) وغيرهم.
ولو تأملنا في مدة عمره الشّريف ـ القصيرة نسبياً ـ ورحلاته إلى تلك البلاد وما خلفه من تصانيف رائعة في شتّى العلوم والفنون وأنظاره الدّقيقة ومقترحاته العميقة، يُعلم أنّه من الّذين اختارهم اللهُ تعالى لتكميل عباده وعمارة بلاده، وكلّ ما قِيل أو يُقال في حقّه فهو دون مقامه ومرتبته (1).
……………………………………………
1) يُنظر ترجمته في: رياض العلماء: 185روضات الجنات:3/7، أعيان الشيعة: 36/6، تنقيح المقال: 191/3، الكنى والالقاب: 377/2، شذرات الذهب: 94/6، أمل الآمل: 181/1، ومقدمة التّحقيق لكتابه (ذكرى الشيّعة) لإحياء التّراث .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار