المقالات والبحوث

فهم [وَاضرِبُوهُنَّ] وفق القرائن الاجتماعية ومقتضيات الحكمة : بقلم الشيّخ عماد الهلالي

 فهم [وَاضرِبُوهُنَّ] وفق القرائن الاجتماعية ومقتضيات الحكمة : بقلم الشيّخ عماد الهلالي
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


فهم [وَاضرِبُوهُنَّ] وفق القرائن الاجتماعية ومقتضيات الحكمة، بقلم الشيّخ عماد الهلالي

ينظر البعض منا إلى القرآن وكأنه أحكام جامدة أمامها مواضيع منفصلة ومجتمع ينتظر أي حكم شرعي لتطبيقه، لذا قد يستغرب من وجود إذن بضرب الزوجات في حال النشوز مع ما يراه من التأكيد على احترام المرأة، وكأن الله أمر الرجال بضرب النساء كأول وسيلة للتعامل، وكأن من تُضرب امرأة بريئة لا تستحق عقوبة فيأتي الرجل ليضربها تنفيذاً لأمر القرآن.

وينبغي أن ننظر للمواضيع الاجتماعية كموضوع مركب وإلى البدائل والنتائج في حال صدور حكم حدّي. . .

خذ مثلاً إننا نؤمن أنه لا يجوز ضرب الأطفال في المدرسة، ولكن لو قلنا ذلك وكان للمعلمين طاعة لنا وامتنعوا عن الضرب فكيف سيتم التعامل مع بعض الأطفال المنحرفين الذين يصل بهم الانحراف إلى مستوى الاعتداء الجنسي على الطلبة الضعفاء معهم، فنغضي الطرف عن إعلان الحكم لكي لا يستفيد منه المنحرفون، ثم نعمل على تركيز تربية الأطفال حتى ينتفي موضوع الحاجة للضرب، ونتدخل إلى ذلك الحين في الموارد التي يخرج الأمر إلى الإفراط بالضرب أو تطبيقه على البريء.

ومثل ذلك ما ورد عن قصة نزول الآية الشريفة التي أذنت بالضرب، فقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن ضرب النساء فقال له الناس إنهم لا يستطيعون ترك ذلك، وكان الأولى لهم أن يصبروا على أذى النساء ويلجأون إلى تربيتهن تدريجياً فلا يحتاجون إلى الضرب، فلما رأى الله سبحانه موقفهم أذن لهم بإذن إجمالي بالضرب لكي لا يظنوا عدم جدوائية الأحكام الشرعية فيتجرأون على مخالفتها من جهة، ولكي تخشى النساء المنحرفات من تطبيق هذا الحكم عليهن من جهة أخرى.

وفي القرآن تهديدات كثيرة هدفها ردع العاصين، والملاحظ أنها تأتي بعد مجموعة بدائل مقدمة قبلها، كتقطيع اليدين والرجلين عن خلاف، فهو تهديد لم يتم تطبيقه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ولكنه بقي تخويفاً رادعاً للمنحرفين.

كذلك الأمر بضرب النساء جاء بعد مجموعة بدائل قبله.

والملاحظ أنه أمر إجمالي لم يحدد فيه الله تعالى كيفية الضرب وقوته وعدد الضربات، ولا حدده النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي المقابل كانت هناك ديات للضرب إذا احمر موضعه أو اسودّ.

فالرجل قليل التقوى قد يفهم الآية وفق أسبقياته الفكرية فيرى أنه إذن بالممارسات السابقة عن الإسلام، ولكن إذا ازداد إيمانه وتقواه سيتساءل عن حدود ذلك ويتركه احتياطاً.

وسنستفيد من هذه الطريقة القرآنية في التصريح عن الأحكام عدة فوائد في حكمة التربية والتصريح وإقرار الناس على ما هم ريثما تؤتي البدائل ثمراتها من طريق آخر وهو طريق تربية النساء وتعزيز الروابط الزوجية، ريثما تحفظ المرأة حقها بإيمان زوجها لا بالقانون الذي إذا دخل بين الزوجين سيؤدي إلى تضييع أمور أخرى أهم، فليس القانون الخارجي هو الذي يضمن للمرأة سعادتها بل هي روح الإيمان والرحمة بين الزوجين.

وقد فسّر الأئمة (عليهم السلام) هذا المعنى من الإقرار الإجمالي غير القابل للتطبيق بما ورد عنهم من تفسير الضرب، فقد جاء في فقه الرضا: (والضرب بالسواك وشبهه ضرباً رفيقاً)، وروي عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى (واضربوهن) قال: (هو بالسِّواك)، قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله): (اضربوهنّ إذا عصينَكم في المعروف، ضرباً غير مُبرِّح)، وعن ابن عبّاس أنه سُئل: ما الضرب غير المبرِّح؟ قال: بالسِّواك ونحوه.

فهذه الروايات وغيرها نفهم منها أن ما جاء في الآية الشريفة من الإذن بضرب النساء اللاتي تخافون نشوزهن إذن إجمالي لإقرار الناس وتركهم على ما يفهمونه إذا خشي منهم العصيان.

ولا تبقى من عقوبة الضرب التي اقتصرت على الضرب بالمسواك إلا التأثير العاطفي لزوج يضرب زوجته حتى لو كان بمسواك صغير.
مع أن الضرب ليس للمرأة البريئة بل تلك التي يُخاف منها النشوز، وقد أذن الشارع بالضرب الحقيقي في النهي عن المنكر لمن لا يرتدع باللسان كما أقر الضرب في قانون العقوبات في الإسلام وغيره، وهو كما قلنا ليس للبريء والبريئة حتى نشفق عليهم من التطبيق. وليس هو بدون رقابة بل برقابة من ضمير المؤمن الذي جُعل حكماً في النظام الإسلامي في جملة من الموارد التي لا يصلح جعل رقيب خارجي عليها، كما كانت له حدود من أحكام أخرى لا تفتح الباب للضرب المبرح بل تجعل دية على الضارب، مع ما تقدم من تفسيره بالضرب بالمسواك وهو عصا صغيرة جداً تدخل في الفم لتنظيفه كما هو معلوم.

ولولا أن الأئمة عليهم السلام فسروه لما أعلناه هنا ولأغضينا على اعتراضات دعاة الحداثة أو تأويلات المجاملين وكتمنا العلم إلى زمان ظهوره، ولكي لا تطمئن النساء اللاتي لا يرتدعن إلا من خوف الضرب، ولكن يبدو أن الرحمة تستحقها النساء المتفقهات والرجال المتفقهين، فاكتموه عمن لا تستحق. وقد نتحدث في المستقبل عن أساليب التصريح القرآني الحكيمة إن شاء الله تعالى.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار