المقالات والبحوث

الأخلاق أزمة سلوك لا منهج: بقلم الشيخ عماد العلياوي

 الأخلاق أزمة سلوك لا منهج:   بقلم الشيخ عماد العلياوي
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


الأخلاق أزمة سلوك لا منهج

بقلم الشيخ عماد العلياوي

ربما يتلمس المتابع للمهتمين للبناء النفسي والاجتماعي , إن الأزمة في حقيقتها تكمن في المنهج الأخلاقي المتبع في طرح المسائل الأخلاقية , وكيفية تبويبها , ومن أين نبدأ وأي المناهج الأخلاقية أكثر تأثيرا واثراءا لتعزيز الملكات والأحوال , الى ما تطول القائمة بطيه ونشره , ومع كل ما يمكن إن يقال في أهمية المنهج عموما والأخلاقي منه خصوصا إلا قليلا من التأمل والإنصاف والخروج عن اسر الهوى وما يختزله الانسان في أعماق نفسه وخباياها من تأثير لا شعوري على السلوك سيجد إن المشكل الأساس يكمن في السلوك لا في المنهج بحد ذاته .
ونسائم كرائم آيات القران تعطر مشام الأرواح بنسيم قوله تعالى:"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ". (آل عمران:31) , فالحب منهج , والإتباع سلوك , والذي يراد من صاحب المهج السلوك لا غير , وكل منهج لا يتجسد في الخارج فهو مثاليات يستأنس بها صاحبها ,كتب عليها أنها لا تشم رائحة الوجود , وحيث كان القران كانت الواقعية , وحيث كانت كان , فهو رسم شقائق نعمانه بيضاء خضراء بنفسجية تلوح بما فاح ففاح , من " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ "(القلم:4) , الى قوله تعالى :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"(آل عمران:159) , وقوله :" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "(التوبة:128) . فواقعية القران تلزم بمنهج الواقعية , والواقعية تفرض السلوك في الواقع لا المنهج , إذا أريد البناء النفسي والاجتماعي , ومن هنا ضاع المنهج حيث لا سلوك , وضاء السلوك مع النهج , وحيث كان القران منهجا , كان محمد صلى الله عليه واله سلوكا , فهما النهج والسلوك , وحيث انفردا كانت الأزمة وانعكاسها , وهذا نجده في كلمات ومفردات شبابنا اليوم حيث يكثرون من " لا تكلمني عن الدين ولكن اجعلني أرى الدين في سلوكك " , وهذه هي الواقعية السلوكية التي أكد عليها القران ونهجها سلوكا الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله , ودعا إليها المتبع له بقوله تعالى :"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف:108) . ومن لاح له نسيم محمد صلى الله عليه واله فهو لضؤءه منتميٍ , فهو السلوك و والسلوك هو .
وأن شئت فاضرب بمذاهب فكرك حيث شئت لترى صدق ما جاء به القران وصلاحية ما عليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله " وأتباعه " فكم من عالم لا يٌشق له غبار قد انفض الناس من حوله وعلمه معه لا ينفعه , وكم من معلم أخلاق قد تشاغل الأدنون عنه ومنهجه معه لم يدركه , حدثني أحد الأحبة عن معلمه في الأخلاق بأنه لا يأكل أمام الناس ولا يشرب لأنه خلاف المروءة ! فقلت له أن مروءة الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله " تجلسه جلسة العبد , ويجيب دعوة من دعاه , ويأكل مع الفقراء ويشرب من شربهم , وتجهمت صفحات أحبة لي أٌخر , فسألتهم لماذا تعبسون بوجوهكم ولا تلقون التحية إلا بحركة الأصابع ! قالوا هكذا هو معلمنا ! فقلت ولكن الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله " لم يرى مقطب الحاجبين قط , وأنه كان يكثر السلام , ويبتسم مع الناس وكان يقول " لا تحتقر من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " .
فإذا عدت من هناك الى هنا و موسقت سمعك نغمة " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " (الممتحنة:6) فرددي معي " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ "(النور:52) . اللهم إنا أمنا بك واتبعا نبيك فاكتبنا من الشاهدين .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار