المقالات والبحوث

المأموم المقتدي بقلم :الشيخ عماد مجوت

 المأموم المقتدي  بقلم :الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


المأموم المقتدي
بقلم الشيخ عماد مجوت

الحاجة إلى المرشد والمربي من مقتضيات النفس الإنسانية المقترنة بالفقر والحاجة وهذه حقيقة حكاها القران بتعبيره عن الأنبياء بأنهم هداة , وما هديهم إلا رسم طريق الوصل إلى الله تعالى ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .(المؤمنون : 73) وهذه الحقيقة أشار إليها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ( ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به و يستضي بنور علمه ) ( الخطبة 207 ) .
ثم أن معرفة الحقائق غير كافية إذا لم يكن لها تطبيق في الواقع ينتفع منه , فكما لا فائدة في معرفة أن الماء يرفع العطش إذا لم يقربه من فيه ويشرب ,كذلك لا فائدة في معرفة الأمام والطريق إذا لم يُسلك الطريق , ويتُبع الأمام قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . (آل عمران : 31) فلا محبة منه تعالى إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه واله , وقال تعالى ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) . ( النساء :65 ) , فلا إيمان بمجرد المعرفة ما لم يكن هناك تحكيم وتسليم وعدم حرج في قضاء المُتبع .
ومن هنا لابد في سلوك طريق الله من معرفة الإمام والطريق والالتزام بالسير عليه برسم الإمام , فالمأموم بالسلوك , والإمام بالدلالة , فالمأموم يهيئ والإمام يكشف , وقد ذكر عليه السلام ما يتصف به هو في متابعته للنبي صلى الله عليه واله فقال : ( وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟... إلى أن قال وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَ يَأْمُرُنِي بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ ) ( الخطبة 190 ) . فإذا كانت القدم الأولى من العبد فعليه أذاً معرفة أين يضعها , وقد وصفها عليه السلام بقوله في صفة العارف باللّه : قد لبس للحكمة جنّتها ، و أخذها بجميع أدبها . من الإقبال عليها و المعرفة بها و التّفرّغ لها . فهي عند نفسه ضالّته الّتي يطلبها ، و حاجته الّتي يسأل عنها . ( الخطبة 180) .
فأول ما يبدأ به والقدم الأولى هي طلب الحكمة التي رأسها الذي يستجن به , مخافة الله تعالى فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله):( رأس الحكمة مخافة الله ). و عنه (صلى الله عليه وآله): ( خشية الله رأس كل حكمة ) ميزان الحكمة ج2ص674 . وقد وصف عليه السلام الحكمة بأنها حياة القلب : ( و إنّما ذلك بمنزلة الحكمة ، الّتي هي حياة للقلب الميّت ، و بصر للعين العمياء ، و سمع للأذن الصّمّاء ، و ريّ للظمآن . و فيها الغنى كلّه و السّلامة ). ( الخطبة 131 ، 245 ) .
وليست الحكمة مساوقة للعلم , بل هي علم خاص مع رسوخ فيه , قال الإمام عليه السلام :عن الراسخين في العلم : ( و اعلم أنّ الرّاسخين في العلم هم الّذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، و سمّى تركهم التّعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا ) . ( الخطبة 89 ) ، فالإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب هو الّذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب فجاءهم مدح اللّه تعالى لاعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ولم يتكلفوه , والحكيم هو الذي يضع الأشياء في مواضعها .
لذلك قال ( عليه السلام ) في ضرورة معرفة الطريق الذي يسلكه السائر إلى الآخرة قال عليه السلام :( فليصدق رائد أهله ، و ليحضر عقله ، و ليكن من أبناء الآخرة ، فإنّه منها قدم ، و إليها ينقلب . فالنّاظر بالقلب ، العامل بالبصر ، يكون مبتدأ عمله أن يعلم : أعمله عليه أم له فإن كان له مضى فيه ، و إن كان عليه وقف عنه . فإنّ العامل بغير علم كالسّائر على غير طريق ) . ( الخطبة 152 ) , ثم ذكر عليه السلام من هم العلماء والعلم الموصل للحقائق : ( هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، و باشروا روح اليقين ، و استلانوا ما استوعره المترفون ، و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، و صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى . أولئك خلفاء اللّه في أرضه ، و الدّعاة إلى دينه ). ( الحكمة:147 ) .
وحقيقة العلم واليقين المتأتي منه إنما تكون بتقديم الجد والجهاد وقهر الهوى والشهوات قال عليه السلام : ( قد أحيا عقله ، و أمات نفسه ، حتّى دقّ جليله ، و لطف غليظه ، و برق له لا مع كثير البرق ، فأبان له الطّريق و سلك به السّبيل ، و تدافعته الأبواب إلى باب السّلامة ، و دار الإقامة ، و ثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن و الرّاحة ، بما استعمل قلبه ، و أرضى ربّه ) . ( الخطبة 218 ، 415 ) .
ثم دعا عليه السلام أهل الاستع

داد لركوب طريق الهداية بمتابعة السرج المضيئة ( أَيْنَ اَلْعُقُولُ اَلْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ اَلْهُدَى وَ اَلْأَبْصَارُ اَللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ اَلتَّقْوَى أَيْنَ اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي وُهِبَتْ لِلَّهِ وَ عُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ ) من الخطبة ( 142 ) . اللهم ارزقنا الاستصباح بمصابيح الهدى , وأسلك بنا منار التقوى , أجعلنا من أهل القلوب التي وهبت لك , وَ عُوقِدَتْ عَلَى طَاعَتك

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار