المقالات والبحوث

الإلحاد بين الفعل ورد الفعل : بقلم الشيخ عماد مجوت

الإلحاد بين الفعل ورد الفعل : بقلم الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


الإلحاد بين الفعل ورد الفعل
بقلم الشيخ عماد مجوت

الظواهر الاجتماعية التي تصطبغ بها المجتمعات عموما أو شرائح منها على سبيل الخصوص , لا تكون عفوية وبشكل منقطع عما يحيط به أو يتصرف في وجدانياته من الداخل , بل السلوك الجمعي والظروف العامة لها تأثير كبير على متبنياته وأفكاره , ويكفي شاهدا مشاهدة الأفعال والأقوال والطريقة المنتقلة بصورة تلقائية لك من معاشرة بعض الأفراد الذين تتأثر بهم سلبا أو إيجابا , وهذا التأثر نحو من الفعل .
ويعاكسه بالاتجاه الهروب من سلوكيات ومتبنيات من تشعر بأنك لا ترغب بأن تتصف بما يتصف , وهذا الهروب متأتي من عدم الشعور بصدقه , أو أنه سبب في دخول الضرر عليه خصوصا أو المجتمع عموما , وهذا الانزجار ردة فعل .
فالمرء بين الفعل وردة الفعل , والإلحاد والابتعاد عن الدين عموما هو من النحو الثاني أي ردة الفعل في الأعم الأغلب , فالوضع الاقتصادي , والاجتماعي في المجتمعات العربية والإسلامية عموما , مع بروز طبقة سياسية حاكمة يغلب على خطابها نبرة الدين أوجب الابتعاد عن الدين والاتصاف بأوصاف المتدينين .
وكون الإلحاد والابتعاد عن الدين من ردة الفعل لا الفعل يستكشف من متبنيات وأدبيات الدعاة له , إذ كثيرا ما يرددون العبائر المعترضة على السلوك الديني , لا نفس الدين ومفرداته العليا كالتوحيد والنبوة والمعاد ,فهم في مثل قولهم "هل هذا هو الدين ! هل يقبل الله بهذا ! " وغيرها من العبائر التي يغلب عليها شكوى السلوك الديني لا نفس الدين .
ومثله السلوك الذي يناغم إنسانيته , فيجد في غير المتدين رحابة ومرونة لا يجدها في المتدين , وبالتالي يقايس بين الصورتين ويغلب حينئذ عليه الصد والعزوف عن الأولى , فيجد مثلا في الحياة الغربية ما يناغم وجدانياته من الحرية والعدالة الاجتماعية وغيرها ما لا يجده هنا , فيحسب بشعور باطني وردة فكرية عكسية أن السبب هو الدين , وان كان السبب الواقعي هو السلوك الديني للمتدينين .
ومن هنا كان أهم العلاجات لردات الفعل تجاه الدين هو طرح النماذج المتشبعة بالدين المقدس لا المسيس لهوى النفس والقراءة البشرية قال تعالى : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "(التوبة:128) . وقال تعالى في حكاية أخلاق النبوة :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ "(آل عمران:159) . وهكذا النموذج للدين المقدس الذي مثله شخص أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : " إِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ اَلْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ اَلنَّاسِ كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ " ( الخطبة 207) . وقال عليه السلام أيضا :" أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا ؟ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ وَ لاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ اَلدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ اَلْعَيْشِ" . ( الخطبة 284) .
فكم من فرق بين كون الإلحاد والابتعاد عن الدين فعل وعقيدة يدين بها الانسان ويدافع عنها كدفاعه عن جميع ما يعتقد قدسيته , وبين كونه ردة فعل لا تعدو كونها تأثر مؤقت يرتفع بزوال أسبابه .الشباب المبتعد عن الدين اليوم في أوساطنا العربية والإسلامية بحاجة لقامات دينها نقي لا لتنظير أدلة إثبات الصانع وان الجنة مآل الصابرين فالقران أمن وأطعم ثم امتن قال تعالى :" فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ "(قريش: 3-4) . اللهم أجعلنا من الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار