أخبار اسلامية

السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وتصحيح المفاهيم

السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وتصحيح المفاهيم
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وتصحيح المفاهيم (1)

 

 

       الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين..

السلام عليكم أيّها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته..

       كثيرة هي المسؤوليات التي اضطلع بها السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) انطلاقاً من استشعاره لعظمة موقع نيابة المعصوم (ع) وسعة ما أنيط به من أدوار في حياة الأمة.

       ونشير اليوم بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لشهادته إلى أحد تلك الأدوار وهو تصحيح بعض المفاهيم التي تؤثر في حركة الأمة، وذلك لأن كثيراً من الأعمال والسلوكيات يقوم بها أصحابها نتيجة لقناعة بنيت على فهم خاطئ لفكرة معينة، وقد تصل إلى حد ارتكاب الجرائم الشنيعة، ولو صحح المفهوم في أذهانهم لغيّروا طريقة حياتهم.

       ومن أمثلتها اليوم ما تتعرض له البلاد من تخريب ودمار وقتل للأبرياء تحت عنوان المقاومة الذي هو بنفسه عنوان برّاق ومثير للحماس لكنهُ جُعِل غطاءاً لمثل تلك الجرائم، وغرّر بالكثيرين من البسطاء والجهلة والمخدوعين فانخرطوا فيه، وعنوان المقاومة بريء من هذه الأفعال المنكرة.

       فيكون حينئذٍ جزء كبير من الحل مبنياً على تصحيح هذه المفاهيم وإزالة الخلط والغموض، لما سُئل أمير المؤمنين (ع) عن قتال الخوارج مع من بعده، قال (ع): (لا تقاتلوا الخوارج بعدي فإن من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأدركه).

       يقصد بالأول الخوارج وبالثاني من قاتلوه في صفين أي أن الخوارج ممن اختلطت عليهم الأوراق فظنوا أن ما يفعلوه حقاً فلا يجوز قتالهم إلا مع إمام الحق، أما البغاة عليه في صفين فيعرفون بطلان ما هم عليه، ويُنسب للسيد الخميني (قدس سره) قوله: (إن بعض ما يسميه الشباب استشهاداً هو انتحار).

       فمن مسؤولية القادة والعلماء والمفكرين وصنّاع الرأي وثقافة الأمة أن يتصدوا لبيان المعاني الصحيحة للمصطلحات وإزالة الغبار عنها، وهذا ما قام به السيد الشهيد (قدس سره) واذكر بعض  الموارد لذلك:

1-    مفهوم الانتظار الذي اقترن في أذهان الأجيال بالسلبية والانكماش والتخلي عن ممارسة وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في الحقيقة عكس ذلك إذ يتضمن معناه في بعده العملي السعي الجاد للإصلاح والتغيير والتمهيد لإقامة دولة العدل الإلهي، قال (قدس سره) (هذا الانتظار الكبير ليس إلاّ انتظار اليوم الموعود باعتبار ما يستتبعه من الشعور بالمسؤولية والنجاح في التمحيص الإلهي والمشاركة في إيجاد شرط الظهور في نهاية المطاف) وقال (قدس سره) (ونستطيع بكل وضوح أن نعرف أنه لماذا أصبح هذا الانتظار أساساً من أسس الدين، لأنّه مشاركة في الغرض الأساسي لإيجاد البشرية، ذلك الغرض الذي شارك فيه ركب الأنبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) ([2]).

2-    (الاجتهاد) فإنه يعرّف مشهورياً بملكة استنباط الحكم الشرعي من مداركه الأصلية، وهو بهذا المقدار وإن كان كافياً لتحقيق إبراء الذمة أمام الله تبارك وتعالى في مقام العمل، إلاّ انه لا يثري مدرسة أهل البيت (ع) ولا يعمّق هذا العلم الشريف ولا يستطيع تقديم الإسلام كمشروع حضاري قادر على قيادة الحياة بكل شؤونها وتفاصيلها ومواجهة المشاريع والنظم الأرضية، ما لم ينضم إليه الإبداع والأصالة، لذا سمعتُه (قد سره) يعرّف الاجتهاد (بالنابعية) أي القدرة الذاتية على التأصيل والتقنين، وليس الالتقاطية من آراء الأساطين وأفكارهم وانتقاء ما يطمئن إليه.

       روى أحد المراجع المعاصرين (قدس سره) عن المحقق النائيني (قدس سره) أنّه سأل تلامذته يوماً عن الذي يحفظ كيان الحوزة العلمية، فأجابوا بأنّه الاجتهاد لكنه (قدس سره) صحّح لهم وأجاب بأنّه التحقيق، وتعرف من لحن كلامه (قدس سره) أنّه لم يكن يخاف من خلّو الساحة من المجتهدين، ولكنه يخشى عدم وجود محققين مبدعين فيهم، لأنّه (قدس سره) يدرك أكثر من غيره أن الذي يديم الحركة العلمية ويعمّقها هو التحقيق والإبداع والنابعية على تعبير السيد الصدر (قدس سره).

       وهذا المعنى تبنّاه من قـَبلُ السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) فيُنقل عن أحد تلامذته المبرّزين أنّه استجازه في الاجتهاد فوعده بأنّه سيحصل على الملكة بعد خمس سنوات من حضور البحث، وبعد انقضائها طلب السيد التلميذ تلك الشهادة، فقال (قدس سره) له إن هذه المدة كانت بلحاظ ملكة الاجتهاد على المستوى المتعارف، أمّا الاجتهاد بمستوى مدرسة الشهيد نفسه فإنّه يحتاج إلى مدة عشرين عاماً.

3-   الجهاد الذي يتبادر منه مواجهة الطواغيت والسعي لتغيير نظام الحكم والانخراط في العمل الاجتماعي ونشر الوعي الإسلامي، ولا شك أن هذه أعمال مباركة ثقيلة الميزان عند الله تبارك وتعالى لكن بشرط أن تبنى على الإخلاص لله تبارك وتعالى، ولا يحصل ذلك إلاّ بعد جهد وجهاد طويلين في ميدان تهذيب النفس وتطهير القلب والسير في مدارج الكمال، أمّا الانهماك في العمل الاجتماعي من دون النجاح في جهاد النفس فإنّه يجعل صاحبه من الأخسرين أعمالاً  [الَّذِي

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار