المقالات والبحوث

سوء الظّن وآثاره، سماحة الشيّخ حسن الجواهري

سوء الظّن وآثاره، سماحة الشيّخ حسن الجواهري
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


سوء الظّن وآثاره، سماحة الشيّخ حسن الجواهري

مما يؤسف له انتشار مرض فتاك وخطير في المجتمع، المجتمع العامّ والمجتمع الخاصّ، هذا المرض لا يُصيب الجسد وإنّما يُصيب الرّوح يُصيب الجانب المعنوي، وآثارهُ ليست آثاراً شخصيّة تنعكس على الإنسان بنفسه فقط، وإنّما تنعكس على المجتمع بصورة عامّة وتؤدي إلى الفتك بالاسلام؛ هذا المرض يُعبّر عنه القرآن الكريم، وروايات المعصومين (عليهم السّلام) بعنوان واسم وهو ( سوء الظّن) آفة خطيرة جداً، وإن كان ينظر إليها بالبعد الشّخصي، فيُقال: لا تُسيء الظّن بالآخرين، لكن آثارها آثار اجتماعيّة هائلة، قال تعالى :(يا أيّها الّذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظّن فإنّ بعض الظّن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا). وتقرأ كذلك في كلام سيد الموحدين وإمام المتقين أمير المؤمنين (عليه السّلام) في نهج البلاغة أنّه قال:(لا تظن بكلمة خرجت من أحدٍ سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً، أو محتملاً).
فإذن سوء الظّن هذا المصطلح المتكون من مفردتين، كلمتين (سوء الظّن) هذا معناه كلام واضح من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه انسان امامك يتصرف تصرفاً معيناً، قولاً معيناً، فهذا القول يُمكن أن تكون له جنبة ايجابية و يُمكن أن تكون له جنبة سلبية، هذا الفعل يُمكن أن تكون له جنبة ايجابية، و يمكن أن تكون له جنبة سلبية.
فنحن مأمورون أم نغلق باب الجنبة السّلبية وننظر بالجنبة الايجابية؛ لأنّه عندما ننظر بالجنبة السّلبية فهذا هو سوء الظن، لا نقول نحمله على محمل ونحسن الظّن؛ فلذلك أمير المؤنين (عليه السّلام) يقول: (لا تظنون بكلمة خرجت من أحدٍ سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا ، أو محتملاً) مادام فعلاً انسان مؤمن، ومن مثل الإنسان المؤمن يستحق أن يُحمل على الخير؟
الإنسان المؤمن يُحسن به الظّن هذه تربية لنا، القرآن يُريد أن يربينا على حسن الظّن؛ لأنّه كما نُسيء الظّن بالآخرين ربّما الآخرون أيضاً يسيؤون الظّن بنا، وسوء الظّن خصلة من أشنع الرذائل الأخلاقيّة حتّى أنّ الآية الشّريفة الّذي تناولناها قبل قليل رتبت امراضاً وآثاراً اجتماعيّة سلبيّة على سوء الظّن؛ لأنّه تقول الآية: (يا أيّها الّذين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظّن فإنّ بعض الظّن اثم ولا تجسسوا… ).
التّجسس حرام، و منشأ من مناشئ التّجسس هو سوء الظّن، أنت تسوء الظّن بالآخر فيدفعك الفضول ويسول لك الشّيطان ويزوغ لك هذا العمل كأنّما عمل إيجابي ترجع تجد المنشأ هو أنّه سئت الظن ولو احسنت الظن به لما وصلت لهذا الحال (ولا يغتب بعضكم بعضا).
فعلاً أحد مناشئ الغيبة هو سوء الظّن ما الّذي يدعوك تنتقص من أخيك بذكر عيوبه أمام الآخرين وهو كاره لها.، لو كنت أحسن به الظن ؟
إذن هذه لا تكون عيوب بنظرك فإذن سوء الظّن ليس في نفسه اثم فقط وإنّما يفتح آثار اخرى؛ لذلك قلنا: أنّ سوء الظّن خصلة من أشنع الرذائل الأخلاقيّة الّتي تؤدي إلى الفرقة بين النّاس والمجتمعات وتمزق النسيج الاجتماعي العامّ انطلاقاً من الاسرة والعائلة الأقارب الجيران الأخوة وهكذا الى عموم المجتمع والمفروض أنّه الإسلام دين اجتماعي يُريد ان تعيش النّاس باخوة ومحبة وتقارب؛ فلذلك جاء ونهى بشدة عن سوء الظّن ومنع الاسباب الّتي تُورث سوء الظّن لدى الافراد والمجتمعات وعلى العكس من ذلك فإنّه مدح وأيد بشدة حسن الظّن الّذي يفضي إلى زيادة المحبة والاعتماد بين النّاس والثّقة بالطرف الآخر روي عن النّبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (إن الله حرم من المسلم: دمه، وماله، وعرضه، وأن يُظن به السّوء).
القرآن واضح راجع الآيات القرآنيّة الشّريفة الّذي تلوناها، آية قرآنية شريفة: (يا أيّها الدين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظّن إنّ بعض الظّن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً)، وفي آية قرآنيّة شريفة، قوله تعالى: (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السّوء عليهم دائرة السّوء فغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وسآءت مصيراً)، كِلا الايتان تنهى عن سوء الظّن لكن بفارقة الآية الأولى تنهى عن سوء الظّن بالآخرين لكن الآية الثّانية تنهى عن سوء الظّن بين العبد وخالقه الظانين بالله ظن السّوء فإذن ظنّ السّوء الظّاهر وسوء الظّن هذا لا ينحصر بين العباد انفسهم، بل قد يتعدى إلى مرحلة أنّ العبد يُسيء الظّن بخالقه، وموجده، ورازقه، وربه روي عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (سوء الظّن يُفسد الامور، ويبعث على الشّرور) آثاره تترتب يفسد الامور فعلاً بعد لا تكون هناك وثاقة وثقة بين النّاس وتنقطع روابط المحبة بينهم، وربّما بعد أنّه يُفسد كلّ فعل أو قول تبعاً لسوء الظّن بالسلب وتكبر الهوة بينهم ويبعث هذا الشّرور.
وعن النّبي (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) أنّه قال: (إياكم والظّن فإنّ الظّن أدبغ الكذب)، أنّه تظن بالاخ المؤمن ظناً سيئاً فإنّ هذا مصداق من مصاديق الكذب، بل هو أدبغ الكذب، بل هو من أقبح أنواع الظّلم، كما روي عن أمير المؤ

منين (عليه السّلام) حينما قال: (سوء الظّن بالمحسن شرّ الأثم واقبح الظّلم)، وروايات كثيرة لا نريد أن نستعرض كلّ الرّوايات لكن نأخذ فكرة اذن هذا هو خطر بفتك المجتمعات وليس بالافراد.
والادهى من ذلك انّه لا يقف أمام حالة معينة وإنّما يتعدى، لا يقف فقط بين العباد انّهم يُسيء الظّن أحدهم بالآخر، بل يصل إلى مرحلة أنّه العبد يُسيء الظن بالله تبارك وتعالى، كما قرآنا الآية القرآنيّة الشريفة، ولا شك أن سوء الظّن بالله تبارك وتعالى يختلف كثيراً عن سوء الظن بالنّاس؛ لأنّ سوء الظّن بالنّاس غالباً ما ينتهي بارتكاب الإثم، قلنا: يبعث إلى الشّرور، يقطع وصائل المحبة غايته أنّه ينتهي بارتكاب الإثم أو سلوك طريق خاطئ في التّعامل مع الطّرف الآخر في حين أنّ سوء الظّن بالله تبارك وتعالى يتسبب في تزلزل دعائم الايمان.
تُسيء الظّن بالآخر طبعاً هذا موبقة وحرام ولكن يُمكن للإنسان أن يعالجه باستغفار وتوبة ويُمكن أنّه يُدرب نفسه على حسن الظّن والله يأخذ بيده لكن تسيء الظّن بالله تبارك وتعالى هذا يدعو ويسبب تزلزل دعائم الإيمان في داخل الانسان ويهز أركان التّوحيد في قلب المؤمن كلّ ما لديك في هذا الكون هو مستمد من الثّقة بالله تبارك وتعالى لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون وما توفيقي إلا بالله ماذا نفقه ماذا نعلم أي قوة لدينا قبال عظمة الله تبارك وتعالى كل ما لدينا من الله تبارك وتعالى فإذن سوء الظّن بالله يزلزل دعائم الايمان يهزهز أركان الايمان داخل الانسان ويؤثر على معتقداته ربّما يكون دافعاً وعاملاً من الدّوافع والعوامل الّتي تجعل الانسان يخسر الدّنيا والآخرة، ونحن نعتقد أن الله تبارك وتعالى لا يُخلف عنه فتأتي وتُسيء الظّن بالله تبارك وتعالى لسبب أو لآخر ربّما مثلاً لابتلاء دنيوي أو لفوات مصلحة من المصالح أو ما شابه ذلك من هذه أمور الدّنيا الّتي هي كثيرة وتأتي وتقول أنّه الله تبارك وتعالى لم يساعدني، الله تبارك وتعالى تخلى عنّي، هذا الأمر من الله تبارك وتعالى هو الّذي تسبب في كذا وكذا، بينما أن الذّات المقدسة تبارك وتعالى منزه عن هذه الامور السلبيّة ولا يصدر منه الّا الخير؛ فلذلك تأتي الآيات الشريفة تستعرض سوء الظّن وتقول أنّ سوء الظّن يُوجد في مرتبة ما بين العباد وهو مذموم ومحرم وتوجد مرتبة أسوء وهي ما بين العبد وخالقه آثار سلبيّة كثيرة لسوء الظّن لا نريد أن نعدد، آثار كثيرة لا اقلهُ أنّه هذه يعني سوء الظّن من الآثار السلبيّة المهمّة الّتي يفرزها هذا التّقاطع بين النّفوس وفك وشائح العلاقة الإيمانيّة حتّى أنّه ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (شرّ النّاس من لا يثق باحد؛ لسوء ظنّه، ولا يثق به احد؛ لسوء فعله) أي سوء أكثر من ذلك ؟ وسوء الظّن يؤدي إلى تدمير وتخريب نّفس الانسان يعيش حالة هدوء وسكينة مع الله تبارك وتعالى تراه قلق متزلزل فيؤثر على النّفس وعلى المجتمع، وآثاره السلبيّة كثيرة جداً ومن المؤسف أنّ سوء الظّن لا يقتصر وجوده على المجتمع العامّ وإنّما حتّى في المجتمع الخاصّ، اي مجتمعنا نحن طلبة العلوم الدّينيّة مع الأسف المفروض تكون الحالة الغالبة في الحوزات العلميّة وبين طلبة العلوم هو حسن الظّن بالاخر؛ لأنّه محامل الخير كثيرة، هل يعقل لا تجد محملاً من هذه المحامل ؟
حتّى هذا الانسان المؤمن المنقطع عن الدّنيا والراكن إلى علوم اهل البيت (عليهم السّلام) هذا طبعاً مع ثبوت أنّه فعلاً طالب علم فعلاً مستوي في الطّريق، فعلاً أنّه قاصد الله تبارك وتعالى هذه كلّها مستلزمات ثابتة فمن المؤسف به أنّه يصل الحال إلى المجتمع الخاصّ هذا شيء مؤسف جداً يدعونا إلى اليقظة وإلى أن نحذر؛ لأنّه النّاس تعتمد على هذا المجتمع الخاصّ وتعتبره مجتمع مثالي بالنسبة لها فإذا كانت السيئات والموبقات بهذه الصّورة فالنّاس تتخذ هذا المجتمع قدوة لها ورد في بعض الرّوايات عن امير المؤمنين (عليه السّلام) مدح في حالة خاصّة لسوء الظّن، وورد أنّ سوء الظّن من حسن الفطن هذه في حالة خاصّة حسن

الظّن من حسن الفطن، يعني يدعو الانسان إلى الوعي والبصيرة الإنسان تزداد بصيرته، يزداد وعيه في بعض الحالات أبناء المجتمع يراوغون والمجتمع لا يكون بالشكل الإيماني المنصف يتعامل بتعاملات ليّست صحيّحة فالإنسان المؤمن المفروض أن يكون فاطناً كيساً منتبهاً واعياً عنده بصيرة يميز الأمر.
تُسيء الظّن بهذه الحالة ؟ نعم سوء الظّن في محله؛ لأنّه من حسن الفطن هذا الشّخص لا يستحق أن يحمل محامل حسن الظّن بالشكل الصحيّح؛ لأنّه إذا سايرته، وأحسنت الظّن به ربّما تقع في متاهات، و ربّما تقع في ظلم للآخرين، و ربّما أنت تظلم نفسك.
ليس كلّ ما يُقال لك تأخذه على وجه الصحّة وتبني عليه، وتعمل به، بل لا بدّ أن تكون واعياً فطناً؛ لأنّ سوء الظّن في مرحلة من المراحل يكون من حسن الفطن، لكن في الغالب لابدّ للانسان أن يربي نفسه على حسن الظّن.
هذه الآفة كيف نتخلص منها ؟ بالانتباه إلى آثارها السلبيّة، ونحول دونها ونبدل سوء الظّن بحسن الظّن ندرب نفسنا مع عوائلنا مع اخواننا المقربين شيئاً فشيئا، الإنسان الله يأخذ بيده وخاصّة في مجتمعنا الخاص انت الان تعلم بانه انت جزء من الحوزة جزء من هذا المجتمع تؤثر وتتأثر دائماً فكر بأنّك لست وحدك وإنّما المجموع هو الّذي يؤثر أنت جزء من هذا البناء، كن صالحاً فيه حتّى إذا لا تقتنع بشيء تعبر عنه تعبيراً صحيحاً يدعمه القرآن والرّوايات لا تُسيء الظّن دائماً وتجعل دائماً أنّه سوء الظّن هي الحالة الغالبة.
حسن الظّن موجود والأخوة المؤمنين كلّهم في هذا المجتمع الخاصّ متكاتفون يريدون الخير للنّاس ويعملون على شاكلته. لابأس مقدار الوعي الّذي تريده أنت ربي نفسك عليه وربي الاخرين به، لكن من دون أن نصل إلى هذه الحالة السيئة الّتي تهتك بمجتمعنا الخاصّ وتؤثر حتّى على المجتمع العامّ؛ لأنّ المجتمع العامّ إذا فقد القدوة حينئذ بماذا يقتدي ؟ يقتدي ربّما المجتمع الغربي وأهل السّوء، وأهل النّفاق وتسوء حالته.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار