المقالات والبحوث

( ثنائية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .... وقفات تأمل في سامراء ) بقلم الشيخ عمار الشتيلي

( ثنائية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .... وقفات تأمل في سامراء )  بقلم الشيخ عمار الشتيلي
المصدر: واحة _ وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


( ثنائية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ....
وقفات تأمل في سامراء )

بقلم الشيخ عمار الشتيلي
_____________
ونحن نقف على اعتاب ذكرى شهادة غريب سامراء الامام الهادي ع ، هلموا معا وبروحية الباحث المتأمل في سفر العظماء من ال محمد عليهم السلام لنقف على محطة هامة في حياة صاحب ذكرى الاستشهاد في 3 من رجب ، ملتمسين الدروس والعبر والفوائد منها ، الا وهي محطة وقوفه بوجه المتوكل العباسي في صولة النهي عن المنكر ، وارشاد الحاكم الى عثراته ، واستنكار انحرافه ، ووعظه ، وتوبيخه .
ننقل الرواية اولا ، ومن ثم نتأمل دروسها بوقفات :
____________
قَالَ الْمَسْعُودِيُّ فِي مُرُوجِ الذَّهَبِ، سُعِيَ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ بِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوَادِ ( عليه السَّلام ) أَنَّ فِي مَنْزِلِهِ كُتُباً وَ سِلَاحاً مِنْ شِيعَتِهِ مِنْ أَهْلِ قُمَّ وَ أَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى الْوُثُوبِ بِالدَّوْلَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ الْأَتْرَاكِ فَهَجَمُوا دَارَهُ لَيْلًا فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا شَيْئاً وَ وَجَدُوهُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَى الرَّمْلِ وَ الْحَصَى وَ هُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُو آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَحُمِلَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ وَ قَالُوا لَهُ: لَمْ نَجِدْ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، وَ وَجَدْنَاهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.

وَ كَانَ الْمُتَوَكِّلُ جَالِساً فِي مَجْلِسِ الشُّرْبِ .فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَ الْكَأْسُ فِي يَدِ الْمُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا رَآهُ هَابَهُ وَ عَظَّمَهُ وَ أَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ وَ نَاوَلَهُ الْكَأْسَ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِهِ.

فَقَالَ: "وَ اللَّهِ مَا يُخَامِرُ لَحْمِي وَ دَمِي قَطُّ فَأَعْفِنِي" فَأَعْفَاهُ.

فَقَالَ: أَنْشِدْنِي شِعْراً.

فَقَالَ ( عليه السَّلام ) : "إِنِّي قَلِيلُ الرِّوَايَةِ لِلشِّعْرِ ".

فَقَالَ: لَا بُدَّ.

فَأَنْشَدَهُ ( عليه السَّلام ) وَ هُوَ جَالِسٌ عِنْدَهُ:

بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ * غُلْبُ الرِّجَالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْقُلَلُ‏

وَ اسْتَنْزَلُوا بَعْدَ عِزٍّ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ * وَ اسْكِنُوا حُفَراً يَا بِئْسَمَا نَزَلُوا

نَادَاهُمْ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمْ * أَيْنَ الْأَسَاوِرُ وَ التِّيجَانُ وَ الْحُلَلُ‏

أَيْنَ الْوُجُوهُ الَّتِي كَانَتْ مُنْعِمَةً * مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الْأَسْتَارُ وَ الْكِلَلُ‏

فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عَنْهُمْ حِينَ سَاءَلَهُمْ * تِلْكَ الْوُجُوهُ عَلَيْهَا الدُّودُ تَقْتَتِلُ‏

قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوا دَهْراً وَ قَدْ شَرِبُوا * وَ أَصْبَحُوا الْيَوْمَ بَعْدَ الْأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا

قَالَ فَبَكَى الْمُتَوَكِّلُ حَتَّى بَلَّتْ لِحْيَتَهُ دُمُوعُ عَيْنَيْهِ وَ بَكَى الْحَاضِرُونَ . ( 1 )
____________
الوقفة 1 : ثنائية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكل جناحي الإصلاح والصلاح والبناء للفرد وللمجتمع ، وهي مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق الجميع ، بل وميزة تميزت بها هذه الامة ، قال تعالى :(
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) ( 2 ) ، وعند مراجعة اكثر زيارات المعصومين ع نجد هذه الميزة واضحة عندهم ع ، ( جاء في زيارة الجامعة الكبيرة :
وَاَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجاهَدْتُمْ فِى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى اَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ، وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ، وَاَقَمْتُمْ حُدُودَهُ، وَنَشَرْتُمْ شَرايِعَ اَحْكامِهِ، وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ ) (3)
روي عن الإمام الباقر ع : ( ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب ولايزال الناس بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) (4)
وهذه الثنائية كثنائية الموالاة والبراءة ، والخوف والرجاء، والموالاة والبراءة ، والحب في الله والبغض في الله .
وحري بالاتباع ان يدرسوا هذه الثنائية في حياة ا
لمعصومين ع ، ويمعنوا النظر في اساليبها وأدواتها، وينظروا حجم مسؤوليتها ، ومدى ما تاخذه في التنظير والتطبيق في حياة الفرد والمجتمع.
وخصوصا في حياة الإمام الهادي ع ونحن نعيش ايام ذكرى شهادته .
____________
الوقفة 2 : تصدي الامام وهو يمثل قمة الهرم في المجتمع الإسلامي ، وبيده المرجعية العامة للامة ، يعطي زخما دينيا وحركيا واجتماعيا لفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة ، ويعطي صورة عن شجاعة القيادة وحكمتها وتصديها لمسؤوليتها الشرعية والاخلاقية من جهة ثانية ، ويربي ابناء المجتمع على الشجاعة وقوة الارادة والهمة العالية في تعلم المعروف والدعوة اليه ، ونبذ المنكر ومواجهته من جهة ثالثة .
وتصدي الفقهاء وهم الام

تداد الحقيقي والرسالي للأئمة عليهم السلام لهذه المسؤولية العظيمة يبين تاكد وجوبها عليهم من جهة ، ويؤكد فاعليتها العملية والميدانية من جهة اخرى .
( فوجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل للجميع ، وكل بحسبه ، ويتاكد الوجوب بالنسبة للفقهاء العلماء ، وهذا التاكيد لا يلغي دور الأفراد في ممارسة الوظيفة في المساحة التي يستطيعون العمل بها من جهة ، وهو يكون اكد للفقيه لعدة خصوصيات :
1 . ان بعض المنكرات تتحول الى ظاهرة وحالة عامة فتخرج عن قدرة الفرد على ازالتها . كما ان بعض موارد المعروف التي يطلق عليها الواجبات الاجتماعية لا يسع الافراد القيام بها الا بقيادة الفقيه ، وكأن الوجوب متعين به ، وبالمؤسسة المكلفة من قبلة بالتصدي لها ، وقد حمل بعض العلماء رواية مسعدة عن الامام الصادق ، قال : سمعته يقول : واسال عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اواجب هو على الامة جميعا . فقال : لا ، فقيل له : ولم ؟
قال : انما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر . (5 )
__________
2 . المجتمع ينتظر من الفقيه القيام بهذه الوظيفة لانه يراها من مسؤوليته قبل اي احد اما لان الفقيه أعلم الناس بالمعروف والمنكر وكيفية التعاطي معها ، او لانه يراه قائدا له ولاتتحرك الا تبعا لقيادتهم .
________
3 . ان الوجوب وان كان عاما للجميع الا ان اول من يتوقع منهم المبادرة لامتثال هذا الواجب هم العلماء ، لذا ورد التاكيد والتشديد عليهم ، قال تعالى :( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم ) ( 6 )
( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويامرون والمعروف وينهون عن المنكر ) (7)
( وفي الكافي عن رسول الله ص ، قال : اذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنه الله) ( 8 )
____________
4 . حب الناس للعلماء واحترامهم وتقديسهم لميل الناس فطريا الى الدين ولمن يحمل شعاره ، وهذه المكانة للعلماء تعطي زخما كبيرا لوظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويزيد من فرص نجاحها وتاثيرها .
___
5 . ان العلماء اكثر وعيا وتقديرا للمخاطر وعواقب الأمور، فقد يتصور غير العالم ان في هذا الامر والنهي صلاحا وتظهر النتيجة عكس ذلك، لان العملية لها قيودها وشروطها وظروفها
________
6 . ان العلماء اكثر حرصا على صلاح الأمة وصيانة الدين من اي انحراف، ( قال تعالى : عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين غفور رحيم ) ( 9 ) ، فيكون العالم هو صاحب المبادرة في القيام بهذه الوظيفة
_________
7 . ان العلماء يمتلكون ادوات تنفيذية لا تتيسر لغيرهم ، فلديهم الاتباع والاموال والمؤسسات، وسلطة الفتوى الدينية ، فهم اوضح مصاديق الممكنين في الأرض الذي اشارت اليهم الآية في قوله تعالى : ( الذين ان مكناهم في الأرض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) ( 10 ) فمن ابزر وظائفهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . )( 11 ) ____________
الوقفة ال3 :
(ان التعامل مع هذه المسؤولية الاجتماعية يكون بحسب الواقع على نحوين :
1 . بعض الناس يتعامل معها تعاملا حرفيا ، فيجمد على الالفاظ الواردة في النصوص الشرعية .
2 . وبعضهم يتعامل تعاملا روحيا ، يركز فيه على الأهداف والمقاصد لهذا الواجب ولهذه المسؤولية ،
مثاله : الصوم خلال ساعات النهار ، ترى بعض الناس يركز على الامتناع عن الطعام والشراب والمفطرات فقط لساعات معينة ، ويفهم ان الصوم هكذا ، دون ان يؤثر فيه هذا الامتناع عن المفطر المادي ليخلق عنده اجتناب الشيطان والماثم سواء في فترة الافطار ليلا او بعد انتهاء الشهر .
والحال يقتضي ان نقرأ الصوم قراءة روحية بان نستحضر الله في نفوسنا دائما ونتعود على ذلك ، ولانجمد على حرفية الواجب ، ونضيع اهداف ومقاصد تشريع الواجب .
ومن هنا قد يتعامل بعضهم مع مسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينظر وفق هذه الرؤية الى ان النهي عن المنكر يعني الزجر والصدام ، فيمارس هذه المسؤولية بدافع الهجوم واسقاط الآخرين، بينما هذه المسؤولية تعتبر اسلوبيا علاجيا ، وليس هدما وإسقاطا ، ففاعل المنكر كالمريض الذي نفسه اسيرة شهوة معينة ، فيجب ان نشخص المرض ، وندرس أسبابه، ونضع له العلاجات المناسبة ، وبرفق ، قال تعالى :
( ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )( 12 )
( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك )( 13 )
( قولا له قولا لينا ) (14)
مع ان بعض الامراض تكون خبيثة قد تحتاج إلى استئصال كما ان الجزء الخبيث من
المرض لاتنفع معه كل اساليب العلاج فيصار الى استئصاله .) ( 15 )
_____________
الوقفة ال4 :
كان موقفه سلام الله عليه مظهرًا لقوة الشخصية ، والشجاعة في قول الحق ، والحكمة في الوعظ ، وصلابة الإرادة في النهي عن المنكر.
ونحن بامس الحاجة اليوم الى تمثل هذه السجايا والمكرمات والخصال .
خصوصا قوة الإرادة التي يحتاجها الإنسان وهو يواجه المغريات بشتى اشكالها ، ونرى كثيرا من شبابنا عندم

ا يسقط امام شهوة او قي منزلق ، يقول : انا لا امتلك الإرادة.
ولكي نكون من ذوي الإرادة القوية ، لابد لنا من برامج :
( أ _ التلقين :
ان الإنسان يحتاج كل يوم لا أقل خمس دقائق يمارس عملية التلقين، سواء كان أول الصباح أو كان آخر الوقت قبل أن ينام، خمس دقائق يحتاج إلى عملية تلقين، يعني أن يلقن نفسه: ماذا صنعتُ في هذا اليوم؟! ما الحسنات التي أتيتُ بها؟ ما السيّئات التي أتيتُ بها ؟ تلقين النفس للندم والتوبيخ كل يوم خمس دقائق يعطي حصانة ذاتية أمام المعاصي، ورد عن الإمام الكاظم : (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم )
( ب _ التذكير :
يتم حين الإقبال على المعصية،
الإنسان يفكّر: ما هو الفرق بيني وبين الحيوان؟! الحيوان أيضًا يمشي وراء شهوته، أنا أمشي وراء شهوتي، إذن أي فرق بيني وبين الحيوان؟! الإنسان لابد أن يذكّر نفسه أنه إنسانٌ ،
ورد عن أمير المؤمنين : ”إن الله خلق الملائكة عقلاً بدون شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في الإنسان عقلاً وشهوة، فمن غلبت شهوتُه عقلَه فهو أدنى من البهائم، ومن غلب عقلُه شهوتَه فهو خيرٌ من الملائكة) ( 16 )
( ج _ التوازن : في إشباع الغرائز.
ماذا يعني التوازن في إشباع الغرائز؟ كلٌ منا يحتاج يوميًا إلى أن يكون متوازنًا في إشباع شهواته وفي إشباع غرائزه .
( الإمام الكاظم ع يقول لأصحابه: ”اجعلوا زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة للقاء الإخوان الذين يذكرونكم بعيوبكم ويخلصون إليكم في باطنهم، وساعة لقضاء لذة بغير حرام، فإنكم إذا قمتم بهذه الساعة - يعني: قضاء اللذة - قدرتم على الثلاث ساعات“ ( 17 ) اذن لابد أن تشبع غريزتك، غريزة حب الطعام، غريزة حب الطبيعة، غريزة حب المرأة، غريزة الشهوة، لابد أن تشبعها لكن في حدود الموازنة مع الأمور الأخرى، إذا أنت أشبعتَ هذه الغريزة شعرتَ بحالة من الشبع، شعرتَ بحالة من الاكتفاء، وإذا شعرتَ بحالة من الاكتفاء برزت الإرادة نحو المعصية ونحو الرّذيلة، إذن بالنتيجة الإنسان يحتاج إلى أن يقسّم أوقاته لإشباع شهواته بشكل متوازن كي يكون ذلك عاملاً في صقل الإرادة وفي تقوية الإرادة )
( د _ تقبّل الواقع :
يعني: الإنسان لابد أن يتقبل أنه مسافرٌ، أنه راحلٌ لا باقٍ، اذا عوّد نفسه كل ليلة على ذكر الموت، إذا عوّد نفسه كل ليلة على التذكير بالقبر، وهذا التذكير يصقل الإرادة ويقوّيها أمام المعاصي والرذائل .
قل للمقيم بدار اقامة
حان الرحيل فودع الاحبابا
ان الذين صحبتهم ولقيتهم
صاروا جميعا في القبور ترابا
هذه عوامل أربعة تساعد على تقوية الإرادة) ( 18 )
_____________
الوقفة ال5 :
الشجاعة في قول الحق ، والصلابة في ذات الله ، وليت شعري نحن بأمس الحاجة اليوم الى تمثل هذه السجية في واقعنا السياسي والاجتماعي والديني والعلمي .
فالشجاعة خلقٌ كريم، نبيلُ الطبع، خلق يحمل النّفس على الفضائل، ويحرسها من الاتّصاف بالرّذائل. ولذا تجد الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متَّسِعَ القلب .
فوقوف الإمام الهادي ع امام الحاكم الظالم ، وهو عليه السلام شاب غريب في سامراء ، وحيد بلا ناصر ولا معين ، وهو يعظ ، و يصدح الحق ، وينهي عن المنكر هذا يعطينا زخما معنويا لتحصيل هذه المكرمة ، وتمثلها في سلوكنا ومواقفنا وفي اي مكان نكون .
وهذا الخلق _ اي الشجاعة _ حتما تكمن وراءه أسباب ومناشىء ، ومنها : قوة الايمان والبصيرة النافذة في ذات الله.
إنّ قوّة الايمان بالله وبتسديده وتأييده ونصره كانت تمنحه عليه السلام هذه الشجاعة والاطمئنان .
ومنها _ اي اسباب الشجاعة _ الخضوع لله والبكاء بين يديه ، فقد كان ع يناجي الله في غلس الليل البهيم بقلب خاشع ودمعة ساكبة ويقول : ( إلهي مسئ قد ورد ، وفقير قد قصد ، فلا تخيب مسعاه ، وارحمه واغفر له خطاه ) (19 ).
ّ شجاعة البكاء بين يدي الله هي التي تعطي قوة وصبراّ وعزيمة في مواجهة التحديات.
_______________
الوقفة ال 6 :
كسر حاجز الخوف الذي كان يستوعب قلوب الناس من ظلم المتوكل واستهتاره وطغيانه ، وهو مهم جدا في تحريك إرادة الامة نحو الاصلاح والتغيير ومواجهة الظلم .
فكان وقوف الإمام الهادي ع بوجه المتوكل وتوبيخه ،
وتقزيمه ، واستصغار قدراته ، يعتبر هذا الموقف ونظائره كفيل بتحريك الارادة الاجتماعية عند الجماهير للدخول في ميدان مقاومة الظلم .
_______________ الوقفة ال 7 :
حول الامام الهادي ع اجواء المظلومية التي كان فيها من انتهاك حرمة بيته وبلا استئذان ، و اعتقاله في جنح الليل المظلم ، وإدخاله رغما
عنه الى مجلس المتوكل ، وفرض الجلوس على مائدة اللهو ، حول كل هذه الظلامات الى اجواء مقرونة بالعزة والإباء ممزوجة بالصبر على البلاء ، والثبات على المبدا .
فكان ذلك اليوم مع ان ظاهره ظلامة واهانة واسقاط لحرمة الاسلام المتمثلة بحرمة الامام المعصوم ع ، كان يوما متميزا بجلسة عزة المظلوم على الظالم .
حيث بكى الظالم وأنهار من معه بالبكاء، حتى ان بعض من كان معه اصبح م

ن المؤمنين التوابين .
وهذا ما نحتاجه اليوم الا نبقى نجتر الاحباط ونندم الظلامة مما الت إليه امورنا ، بل علينا ان نقف ونستمر ونجعل من مظلومية شعبنا منطلقا للعزة والكرامة وإدامة السعي حتى ياذن الله تعالى بالفرج .
______________
الوقفة ال 8 :
يعطينا الإمام الهادي ع درسا بليغا في النهي عن المنكرات الواضحة ، واستنكار المفاسد الأخلاقية _ وخصوصا العلنية منها _ والتي اصبحت واقعا محمودا يتفاعل معه اغلب الناس، اما بالرضا والقبول ، او السكوت واللامبالاة ، حتى اصبحت الحفلات الغنائية، ومهرجانات عرض الازياء ، وانتشار المسابح المختلطة ، وتواجد العمالة النسوية في المقاهي ومحال المساج وغيرها امورا طبيعية في مجتمع زيارة الأربعين.
ونحن باستذكارنا للوثبة العلوية في مجلس المنكر في قصر المتوكل ، نستذكر مسؤوليتنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتي في تبنيها ، وتحريك ادواتها ، وتفعيل اعلامها رفعة لنا ، وفلاح ، ونجاة .
قال تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ ) ( 20 )
و قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (21 )
قال السيد الطباطبائي قدس : في الاية دلالة على ان الناجين كانوا هم الناهين عن السوء فقط ، وقد اخذ الله الباقين وهم الذين يعدون في السبت ، والذين قالوا لم تعظون .. الخ ، وفيه دلالة على ان اللائمين كانوا مشاركين للعادين في ظلمهم وفسقهم حيث تركوا عظتهم ولم يهجروهم ( 22 )
______________
الوقفة ال 9 :
يحفزنا هذا الموقف العلوي الواعي والشجاع والحكيم ان نجلس لنتحاور كمتدينيين ومثقفين ووطنيين في وضع برامج ، وانشاء مؤسسات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبأطر علمية ، وبرؤى مؤسساتية تعمل للاصلاح ، والإرشاد ، والتوعية التربوية والاخلاقية و الاجتماعية ، وهذه مسؤولية تضامنية تشمل المؤسسة الدينية ، و مؤسسات المجتمع المدني ، و المؤسسة الجامعية في قسم القانون وعلم النفس والاجتماع والتنمية البشرية و. الخ .
اننا بحاجة ماسة اليوم الى تفعيل ورش العمل المشتركة بين الحوزة الشريفة والجامعة ل :
1 .تشخيص السلبيات والظواهر غير السليمة في المجتمع .
2 . دراستها دراسة علمية منهجية .
3 . وضع العلاجات المناسبة
4 . مخاطبة الجهات المختصة بتسويق العلاج للمجتمع كالاعلام ، والمنابر الدينية ، والوزارات المعنية ، والجهات العشائرية.
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.
___________________
(1)_ بحار الانوار ،ج 50 ،ص 211 _ 212 .
(2)_ ال عمران :110
(3 )_ تنظر زيارة الجامعة الكبيرة ، مفاتيح الجنان ، ص616 ، دار المرتضى
(4 )_ الكافي ، الكليني ، ج5 ، ص56 .
(5)_ نفس المصدر ،ج5 ، ص 59 .
(6)_ المائدة :63
(7)_ ال عمران :104
(8)_ الكافي ، الكليني ،ج1،ص 54 .
(9)_ التوبة :128 .
(10 )_ الحج : 41 .
(11 )_ فقه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، اليعقوبي ، ج2 ،ص 346 _ 348 .
(12 )_ النحل :125
(13 )_ ال عمران : 159
(14 )_ طه : 44
(15 )_ الامام الهادي وحركة الامر بالمعروف ، الخباز ، (بتصرف )
(16 ) _ بحار الانوار ، المجلسي ،ج6، ص 299
(17 ) _ تحف العقول ، الحراني ،ص 409_ 410
(18 )_ قوة الارادة والتحدي في شخصية الامام الكاظم ، الخباز ، (بتصرف )
(19)_ اعلام الهداية ، المجمع العالمي لاهل البيت ع، ج 1، ص 231 _ 233
(20 ) _ ال عمران :104
(21) _ الاعراف : 164
( 22) _ الميزان ، الطباطبائي، ج8 ، ص 301

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار