المقالات والبحوث

أثر الإيمان‏ في طمأنينة النفس السيد فاضل الجابري

أثر الإيمان‏ في طمأنينة النفس السيد فاضل الجابري
المصدر: واحة _ وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

أثر الإيمان‏ في طمأنينة النفس السيد فاضل الجابري

قال اللّه تعالى: (إِنَّهُمْ‏ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ‏ وَ زِدْناهُمْ‏ هُدىً‏).
1- إنّ التحقيق في تاريخ التقدم البشري يثبت لنا أنّ أركان حضارة الإنسان و ثقافته كانت و لا تزال على عاتق من كان «إيمانهم» يهوّن عليهم تحمّل الأحمال الثقال من الآلام و المشاكل، فهم قد أحبطوا بإيمانهم آثار المصائب و الآلام في قلوبهم القويّة المقتدرة.
2- يعترف علماء النفس بصورة عامة أن «للإيمان» ثمارا عجيبة و غير اعتيادية في علاج الآلام الروحية و لإيجاد الطمأنينة و الراحة الباطنية.
حينما تحطّم المشاكل المنهكة شخصية الإنسان، و تسلبه الإرادة و الأمل، فإنّ الإيمان و التوكّل على اللّه يمنح روحه المنهزمة أثرا كبيرا لا ينكر(( إِنَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ يَهْدِيهِمْ‏ رَبُّهُمْ‏ بِإِيمانِهِمْ‏ تَجْرِي‏ مِنْ‏ تَحْتِهِمُ‏ الْأَنْهارُ فِي‏ جَنَّاتِ‏ النَّعِيمِ))
إنّ خيبة الآمال و المشاكل و الانتكاسات لا تقدر أن تثير في ضمير الرجال الربّانيين أية إثارة، و لا أن تصيبهم بالضعف و اليأس و انعدام الشخصية. قال تعالى: هُوَ الَّذِي‏ أَنْزَلَ‏ السَّكِينَةَ فِي‏ قُلُوبِ‏ الْمُؤْمِنِينَ‏ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ‏ إِيمانِهِمْ‏ [الفتح: 4]
3- كتب عالم النفس المعاصر (يونك) يقول:
«لم نكن نجد بين المصابين بالأمراض النفسية من أصحاب الأعمار 35 عاما و الأكثر، حتى شخصا واحدا لم تكن ترجع مشكلته النفسية إلى عوز في الإيمان الديني. و الأفضل أن نقول: إنّ كل واحد منهم كان مريضا بعلّة انعدام معطيات الدين فيه، و لم يعالج و لم يشف أيّ واحد منهم من دون استعادته لإيمانه الديني» .
إنّ الإيمان باللّه نافذة أمان لإيجاد التوازن في الأهواء النفسية التي هي منشأ لكثير من الاضطرابات النفسية، و بالإيمان باللّه تتكامل صورة الحياة، فإنّ‏ الإنسان حينما يعتقد أنّ الحياة لا تنتهي بانتهاء هذه الدنيا سيحدث ذلك في نفسه طمأنينة خاصّة، و سيخطو في حياته بصورة معتدلة نسبيّا.
4- و بالإيمان باللّه و تنفيذ القواعد الدينية الأخلاقية سيتّزن فيه حبّ التكاثر، و اكتناز الأموال، و الذي هو من عوامل اضطراب الخواطر النفسية، فإنّ الإنسان بتأميله الثواب العظيم و خوفه من العقاب الشديد يحذر من أن يهجم هجمة همجيّة و بلا رويّة و بصورة غير معقولة و لا مشروعة و بلا حساب على تحصيل المال و الثروة و زينة الحياة الدنيا، و بالتالي فإنّه سيتواجد فيه توازن و تعادل يتناسب و مقامه الإنساني . قال تعالى : ( وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ‏ مِنَ‏ الدُّنْيا) .
5- كذلك الاعتقاد بيوم المعاد و الحياة بعد الموت يخفّف عن كاهل الإنسان ثقل تصور العدم و الفناء المطلق. إذ هو يعتقد أنّه بالموت ستنفتح عليه أبواب عالم آخر، و من ذلك سيصل إلى الحياة الأبدية و النعم الخالدة ممّا لا يمكن قياسه بلذائذ هذا العالم. و من خلال ذلك سينعدم عامل آخر من عوامل الاضطراب هو خوف الفناء .
6- إنّ الإيمان لا يرفع الآلام و القلق عن قلب الإنسان فحسب، بل بإمكانه أن يمنع من هجوم القلق و الاضطراب على القلوب فلا تصل إليها. و القرآن الكريم يشير إلى هذه الوقاية الإيمانية فيقول: (وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏) .
في هذه الآية ذكر اللّه تعالى أنّ الإيمان يوجد درعا متينا لروح الإنسان أمام عوامل الآلام النفسية، و كذلك تحدث في الإنسان حصانة خاصة ضدّها.
7- إنّ الإنسان حتى لو لم يكن يتّصف بإيمان كامل و لذلك فقد عشعشت عوامل الآلام في باطن نفسه، مع ذلك فلا شي‏ء سوى الإيمان الذي باستناده يمكن أن تتحرّر الخواطر من ثقل الهموم و الغموم و أن تزول آثار الآلام عن ضمير القلوب، و القرآن الكريم يقول: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏) . و (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏) و (الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ‏) و (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏) .
و يقول أمير المؤمنين (عليه السّلام) ضمن خطبة في ذكر ثمار ذكر اللّه و أوصاف الرجال الربّانيّين:
«إنّ اللّه تعالى جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، و تبصر به بعد العشوة، و تنقاد به بعد المعاندة. و ما برح اللّه- عزّت آلاؤه- في البرهة بعد البرهة، و في أزمان الفترات رجال ناداهم في فكرهم، و كلّمهم في ذات عقولهم» .
8- لا يمكننا أن نقارن أو نقيس حال المؤمنين بالمادّيين غير المتديّنين في مواجهتهم للحوادث المرّة في الحياة، فإنّ الاختلاف بينهما كاختلاف الأرض عن السماء!.
قال تعالى : (وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْه

ُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
كتب مؤرّخو السيرة: إنّ إحدى النساء المسلمات في المدينة بلغها الخبر: أنّها قد فقدت في جبهة حرب «أحد» ثلاثة من أعزّائها. فتوجّهت نحو أحد و معها جمل كي تحمل عليه أجساد أعزّائها الشهداء، و حملت أجساد أعزّائها المضرّجة بدمائها على البعير و رجعت بهم نحو المدينة. و في أثناء الطريق تلاقت معها عائشة زوج النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) «كانت قد خرجت في نسوة تستروح الخبر- و لم يضرب الحجاب يومئذ- لقيتها و هي هابطة من بني حارثة إلى الوادي بمنقطع الحرّة، فقالت عائشة، عندك الخبر، فما وراءك؟
فقالت هند بنت عمرو بن حزام: خيرا، أما رسول اللّه فصالح، و كلّ مصيبة بعده جلل» أي صغير .
فأيّ عامل هذا سوى الإيمان بإمكانه أن يمنح روح هذه المصابة هكذا طمأنينة و سكون؟!.
يقول (جان جاك روسو):
«إنّنا لو كنّا من الموجودات الخالدة التي لا تفنى لكنّا أشقياء جدّا؛ و لا شك أنّ الموت أمر مشكل و صعب، إلّا أنّ الأمل بأنّنا لا نعيش هكذا دائما و أنّ هناك حياة أفضل تختم على آلامنا في هذه الحياة، أمل يمنح النفس الطمأنينة و السكون. و لو كانوا يهدون إلينا الخلود في الأرض هدية فمن ذا الذي كان يتقبّل هذه الهدية الأليمة! و عندئذ فأيّ أمل كان يبقى لنا في مصيرنا أمام ظلم الآخرين؟!.
إنّ الجاهل الذي لا يتنبّأ بشي‏ء للمستقبل لا يعرف قيمة الحياة جيدا، و لا يخاف من فواتها. أمّا الإنسان المثقّف فإنّه يفضل الحياة بعد الموت على هذه الحياة الأرضية، نعم إنّما الأفراد ذوو العقل السطحي و الساذج و المعرفة الناقصة الذين لا يرون إلّا هذه الحياة الدنيا، و يرون أنّ الموت أكبر مصائب الإنسان.
أمّا العاقل- كل العاقل- فإنّه يرى أنّ ضرورة الموت هي التي تهوّن عليه تحمّل آلام الحياة» .قال تعالى : (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) .
9- التسليم لأمر اللّه و الرضا بقضاء اللّه‏
إنّ من لا رصيد له من الإيمان سينهزم أمام عوامل الطبيعة غير المؤاتية و الملائمة له، فإنّه يرى نفسه أسيرا بيد الطبيعة و محكوما لقواها القهّارة و الظالمة، و هو حتى لو لم ينهزم في أول مواجهة للمصائب و المشاكل، فإنّه سيغرق بالتالي عند هجوم أمواج حوادث الحياة.
أمّا الذي يستند إلى منطق الدين فإنّه لا يرى أيّ مؤثّر في نظام الخلقة سوى إرادة اللّه تعالى، و يعتقد أنّ آلام الحياة الخارجة عن حدود اختياره إنّما قدّرت له من قبل الرّب الرحيم لتطهير قلبه و تهذيب روحه، و لهذا فإنّه لا يسمح للمشاكل و المصائب أن تحبط قواه الروحية، بل إنّه يحتفظ بتوازنه في كل حال، و يصل بسفينة نفسه في كل حادثة إلى ساحل السعادة و الطمأنينة و الموفّقية بالاستعانة من قوى اللّه العلي العظيم، بل إنّه تزداد لذّاته الروحية مع تزايد آلامه.
حينما مرض (جابر بن عبد اللّه الأنصاري) و هو أحد الشخصيات المتربيّة في مدرسة الإسلام، جاء الإمام الباقر (عليه السّلام) لعيادته إلى بيته، و سأله عن حاله.
فقال له جابر: أصبحت أرى الهرم خيرا من الشباب و السقم خيرا من السلامة، و الموت خيرا من الحياة!.
فقال له الإمام (عليه السّلام): و لكنّنا آل رسول اللّه لسنا كذلك، فما ارتضاه اللّه لنا من السقم أو السلامة و الشباب أو الهرم، و الموت أو الحياة، قبلناه و صبرنا على مصائب الحياة».
10- و يقول (برتراند راسل):
«إنّ لحالة التسليم و الرضا أثرا في تحقق السعادة، ليس بأقلّ من أهمية السعي و العمل لذلك. إنّ العاقل في حين لا يبقى عاطلا أمام الحوادث المرة الممكنة التغيير، لا يتلف عمره بالفكرة في التعاسة و الشقاء الذي لا بدّ منه، بل حتى في الأمور غير المرغوب فيها الممكنة التغيير، إذا كان ما يقتضيه دفعها من الوقت و الجهد يعوقه عن الهدف الأسمى استسلم للأمر الواقع).
يقول العالم الإنجليزي (آويبوري):
«إنّ الإيمان الدينيّ في أيام التعاسة و الشقاء أفضل ما نتوسل به لتسلية أنفسنا و لتخفيف ضغط المصاب عنها. إنّ الخلود في هذه الحياة الدنيا قليل للإنسان، و إنّ وراء هذا الخلود خلود أبديّ آخر، و الدين يريد أن يحدّث روح الإنسان عن تلك الأبديّة و يقنعه بها.
من المسلّم به أنّ الدّين مفيد جدّا لإطمئنان القلوب و لراحة الخواطر
النفسانية، أكثر ممّا نتصوّره بكثير؛ فإنّ الأفكار الدينية بما لها من جمال و ظرافة تحرّرنا من قيود الحياة الاعتيادية فتخرج بنا من هذا العالم الأرضيّ إلى عالم أعلى و أوسع و أجلى و أطيب للقلوب.
11- إنّ الدين لا يقول لنا بأنّ لا نعتني بحياتنا الدنيا بل إنّما يقول: لنكن في حياتنا شرفاء عفيفين و قورين، لا نترك أزمّة نفوسنا لأهوائنا، و لا نحرق أرواحنا بنار الحرص و الطمع، و لا بنار الظلم في بيدر آمال الآخرين.
إنّ الدين ي

ريد أن يحدّ حبّنا لأنفسنا و الذي لا يزال يتعالى و يطغى كشيطان مهول، يحدّه لئلّا يذهب أبعد من ذلك فيتلاعب بكيان الآخرين. إنّ الدين يقول لنا: لنقض أعمارنا شرفاء فاضلين، و أن نجعل التقوى قائدنا متّبعين، لتسكن أرواحنا و ترتاح ضمائرنا و نروى من ينابيع السعادة الأبدية.
إنّ الحياة مليئة بالحوادث، و ما يسترعي انتباهنا نحوه متغيّر بدوره، و لعلّه يفنى في طيّ الحوادث، و حينئذ تحيط بأرواحنا ظلمات مهولة فنحسّ بأننا قد سئمنا من الحياة، فلا خوف فينا و لا أمل، و لا حبّ بنا و لا بغض. و هذه الأزمة الغريبة لو أضيف إليها ضعف النفس أدّت إلى الإنتحار.
يقول (ماركوس):
«إنّ صح القول بالمبدأ و المعاد فما أحلى الموت، و إلّا فما أمرّ طعم الحياة».
12- و أحيانا ترتفع الأفكار الدينية بنا إلى أسمى حدود حياتنا المادية فتطير بنا في بطون السموات.
حرّروا أفكاركم من قيود الحياة و فكّروا في أسرار الأبدية و الحياة و الموت و دقائق الكائنات، فبهذه الطريقة فقط نتمكن من أن نتحرّر من اضطرابات الحياة، و ذلك بأن نجعل أوهام الطفولة تحت أقدامنا و نرتقي عليها، و نبحث في‏ عالم الأفكار و التصورات عن الجمال و السرور و السعادة» .
السيد فاضل الموسوي الجابري / 13 شعبان 1439هـ / النجف الاشرف

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار