المقالات والبحوث

بقيع الغرقد بين تأويل النص وإباحة المقدس

بقيع الغرقد بين تأويل النص وإباحة المقدس

بقلم الشيخ عماد مجوت 

أن يختلف الفقهاء في قرأءة النص أو تأويله مسألة مألوفة في حواضر العلم كافة ، بل قلما تجد مسألة خالية تماما من الإختلاف .

غير أن ما لا يمكن تبريره أن تكون قراءة النص الظني المختلف في ظاهره حاكمة على النص القطعي المحكم في دلالته موجبة لجعل المقدس والدماء الزكية تحت رحمة تلك القراءة .

السلفية المعاصرة وبناءا على نصوص لا تشكل إلا احادا من الأخبار، وللفقهاء عليها توجيهات عدة حكموا بهدم كل بناء على قبر ، وفرعوا عليها الحكم بشرك زائرها وتبديعه، ومن هنا هدمت مقدسات المسلمين وسفكت زكية دمائهم لذلك .

 

والغريب في المسألة أن يتمسك بتلك الأخبار لتأسيس قاعدة تهرق فيها معصومة الدماء !! وتترك محكمات الآيات القرآنية التي يرفع سلفية العصر شعار حمل الكتاب وتطبيقه!!

نعم لا ينكر شرح السنة لكليات الكتاب، وتفصيل آياته، غير أن ذلك فيما لم يكن النص قطعي الدلالة كما في بعض آي القرآن الكريم، كما في قوله تعالى : : ﴿وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ﴾[الحج: ٤٠]. فلم يأمر بهدمها تعالى ، ولم يذكرها إلا بكونها مساوية للمساجد في دفع الهدم عنها ، و لا يمكن لأقل محصل للعلم أن يقول بأن الصوامع والبيع والصلوات لا يؤتى فيها ما يدعى من الشرك وعبادة غير الله تعالى كما يؤتى في المساجد والأضرحة المقامة على الصالحين !! .

 

وما يدعيه السلفية من كون الفرق بينهما في كون الأضرحة مقامة على الأموات بعد موتهم لا أنهم يدفنون فيها بعده ، كما هو الحال في البناء المقام على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه دفن في غرفة قائمة قبل موته ، مخالف لصريح القرآن المادح لفعل الموحدين من إقامة المسجد على قبور الموتى في قصة أصحاب الكهف، في قبال الوثنيين الذين رأوا أن يبنى عليهم بنيانا، كما يحدثنا القرآن الكريم بقوله:﴿وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيبَ فيها إِذ يَتَنازَعونَ بَينَهُم أَمرَهُم فَقالُوا ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم قالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا﴾[الكهف: ٢١]. فصراحة هذه الآية تمنع جريان أي نص قبالها، خصوصا ما كان ظنيا لترتيب آثار عقائدية تذهب معها المقدسات والنفوس التي أحتاط فيها الشارع أشد الاحتياط بالخصوص مع الشبهة .

 

إن المراجعات الفكرية والعقدية التي أجرتها السلفية بالخصوص الجهادية منها في السنوات القليلة الماضية بخصوص مسالة قتال أهل القبلة ، تدعوا لفتح باب إعادة النظر في ما أجرته من أحكام نسبت إلى الله تعالى وشريعته وأدت إلى إزهاق النفوس وتفريق كلمة المسلمين، وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم تبدأ من مسألة إعادة النظر في مسألة ما يراه عامة المسلمين من قدسية لأماكن العبادة عند قبور الأولياء بالخصوص سادة الخلق (صلوات الله عليهم أجمعين) في البقيع، وأن العبادة عندها وتقديسها واحترامها ليس إلا لكونها بابا لذكره تعالى ، كما يشهد قوله تعالى بذلك : ﴿وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَموا أَنفُسَهُم جاءوكَ فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوّابًا رَحيمًا﴾[النساء: ٦٤]. بلا فرق بين حياته (صلى الله عليه وآله) وموته.

وبالأخص مع ملاحظة موضع الكلمة لأولياء الأمور عند السلفية من منزلة تأول معها ما يقرب من ثوابت الشريعة. 

إن قدسية بقيع الغرقد لا تختص بطائفة من المسلمين بقدر ما ترتبط بهم جميعا حيث كان محلا لسادة الخلق (صلوات الله عليهم أجمعين ) وهم أئمة لجميع الناس. 

ورضوان الله تعالى على السيد حسن الصدر حيث يقول :

إلا إن حادثة البقيع يشيب لهولها فؤاد الرضيع

وسوف تكون فاتحة الرزايا اذا لم نصحوا من هذا الهجوع .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار