المقالات والبحوث

الهدف من العصمة والتبليغ  ـــــ عماد الهلالي

الهدف من العصمة والتبليغ   ـــــ عماد الهلالي
المصدر: (واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

[يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ] (المائدة:67).

هل حقق التبليغ هدفه وهل نفعت العصمة في التبليغ؟

 إن الناظر إلى ظاهر هذه الدنيا يرى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يحقق الهدف المنشود وأن العصمة لم تؤد نتيجتها المرجوة، وهكذا لا يهتدي الدنيويون إلى الحقيقة حتى في التحليلات الاجتماعية لأنه لا بد في كل فكر من تأسيسه على البعد الأخروي والنشأة الأخروية [يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ] (الروم:7).

 فالأهداف الإلهية -إن صح التعبير- قد لا تكون متوافقة مع ما يفهمه البشر وما يستهدفونه حتى الأنبياء منهم، فقد يكلّف الله سبحانه العباد بشيء وتخطط الحكمة الإلهية وتدبر الأمور لتحقيق الغرض حتى بعد فشل العباد في تحقيقه.

 إلا أننا ندرك على أي حال أن الهدف الرئيسي من الحكمة والتدبير الإلهيين هو الهداية إلى الحق وبيان الحقيقة.

 ومن التدبير الإلهي الفتنة أو الاختبار الذي يقع في طريق الهداية لكي تظهر حقائق الناس لأهل البصائر حتى وإن استلزمت الجهد والاضطهاد للمؤمنين فالمهم هو بيان الحق، ولا تعدل السلطة الدنيوية شيئاً أمام قدرة الله على بيان الحق، ويمكنه سبحانه أن يصمم مشهداً رائعاً للهداية تكون فيه السلطة الظاهرية في الدنيا لأهل الباطل وتسهم سلطتهم تلك ببيان الحقيقة أكثر لمن تفكر، وكم من منحرف يظن أنه حقق هدفه وغالب الإرادة الإلهية وهو من حيث لا يدري يُسهم في بيان الحقيقة الإلهية أكثر، قال الله تعالى: [الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ] (العنكبوت:1-4) فمن يجترح السيئات ويخالف عما أمره الله سبحانه لا يسبق الله في ما يفعله بل هو داخل في التدبير الإلهي من حيث لا يحتسب.

فالتبليغ تحقق يوم الغدير والحقيقة كانت واضحة للعيان وانحراف الأمة عن بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ونقضها للعهد لم يغير من تصميم مشهد الهداية بل جعله أكثر روعة لأنه سيكشف من يطيع الله خالصاً لوجهه ومن كان يطيعه لسلطان الدنيا وغلبة الحكم، وفي مثل ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ابتلاء الله لخلقه وحال أنبيائه (وكانوا أقواما مستضعفين. .. ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء، واضمحلت الأنباء، ولمَا وجب للقابلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها. ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفةٍ في ما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنىً، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذىً.

ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا تُرام وعزة لا تضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار، ولآمنوا عن رهبةٍ قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة. ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام لطاعته: أموراً له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة. وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل..) (الخطبة القاصعة، نهج البلاغة).

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار