المقالات والبحوث

نقد التراث بين الرغبة والموضوعية

نقد التراث بين الرغبة والموضوعية
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

الشيخ عماد مجوت

 

المراجعة الفكرية وتصحيح المتبنيات عموماً ثقافة صحية دعا لها القرآن الكريم تأصيلا في جوانب وتأسيسا لأخرى، فدعا إلى كون البناء الفكري للإنسان عموماً أن يكون مرتكزا على أسس يقينية، وملاكات عقلائية يمكن من خلالها أن تتماشى مع الذوق العام والقبول بعقلانية، كما في دعوة إبراهيم عليه السلام لذلك في قوله تعالى: ﴿وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ إِبراهيمَ * إِذ قالَ لِأَبيهِ وَقَومِهِ ما تَعبُدونَ * قالوا نَعبُدُ أَصنامًا فَنَظَلُّ لَها عاكِفينَ * قالَ هَل يَسمَعونَكُم إِذ تَدعونَ * أَو يَنفَعونَكُم أَو يَضُرّونَ * قالوا بَل وَجَدنا آباءَنا كَذلِكَ يَفعَلونَ﴾[الشعراء: ٦٩-٧٤]. 

 

 

#ولكن في الوقت نفسه دعا أيضاً أن يكون ذلك على وفق أدوات ومعطيات صحية أيضاً كما في قوله تعالى:﴿وَإِذا جاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذاعوا بِهِ وَلَو رَدّوهُ إِلَى الرَّسولِ وَإِلى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَستَنبِطونَهُ مِنهُم وَلَولا فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لَاتَّبَعتُمُ الشَّيطانَ إِلّا قَليلًا﴾[النساء: ٨٣]. فالمرجعية في النقد والتصحيح هم أهل الأختصاص في ذلك، وإلا فهي زيادة الإرباك والعشوائية والانقسامات المجتمعية.

#وعلى العموم لم تعد مسألة المطالبة بإعادة النظر في التراث، وتوجيه النقد إليه ( سواء قصد منه التراث عموما ومرتكزات البناء الإسلامي، أم خصوص الموروث الروائي ) مسألة يتناولها رجالات الإصلاح وأهل الأختصاص؟ بل أفرط فيها كثيراً حتى أصبحت شبه الرغبة عند الشباب وبعض المثقفين، وما شبكات التواصل الإجتماعي عنا ببعيد!!!

 

#إن إعطاء الحق الشرعي للإنسان في مراجعة مرتكزاته الفكرية وتصحيح المفاهيم والمتبنيات الدينية والأخلاقية عموماً لا يعني إفساحا للمجال له بأن يتحدث في تفاصيل تلك المسائل التي ربما لا يعرف عن حقيقتها الكثير من طلبة العلوم الدينية وأهل التحصيل منهم فضلا عن غيرهم، فهذا العلامة المجلسي ( رضوان الله عليه) الذي قيل في حقه ( لو أن المذهب سمي بأسمه لما تعدى الصواب )، وصاحب الموسوعات الكبيرة، والذي أفنى عمره في قراءة النصوص، عندما تعرض لشرح بعضها، انتقده السيد العلامة الطبطبائي (رضوان الله عليه) أنتقادا حاداً، واصفا بيانه لتلك النصوص بأنه "قصور الفهم في المطالب البرهانية وأنه كان الأولى له أن لا يتدخّل فيما لا باع له من المسائل العقلية ".

وهكذا بالنسبة إلى المولى المازندراني (رضوان الله عليه) عندما فرغ من شرحه لأصول الكافي ( الذي شرحه في موسوعة جليلة غنية عن التعريف)، رغب في شرح الفروع من الكافي فقيل له لعلك لست بمجتهد فتوقف لأجل ذلك من شرح الفروع، وهو دليل على شدة الإنضباط والواقعية في التعامل مع النصوص.

 

#إن الموضوعية التي ينبغي أن ترعى في مسألة نقد التراث أو إعادة قراءته ينبغي أن يراعى فيها سلامة الأدواة، والمحافظة على البناء الفكري والثقافي والاجتماعي للناس، وإلا مع جدلية الأدوات والنتائج كما يفعله البعض ويتابعه الشباب المندفع رغبة في التجديد فهو لا يعد كونه رغبة لا موضوعية معها، تزيد الوضع سوءاً، وقد حذر القرآن الكريم من ذلك في موارد عدة منها قوله تعالى:﴿وَلا تَقولوا لِما تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذينَ يَفتَرونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحونَ﴾[النحل: ١١٦]. فما لم يكن عن أدوات ومعطيات حقة فهو تقول ليس إلا، وهو من أعظم التجاوز الأخلاقي كما في قوله تعالى:﴿إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقولونَ بِأَفواهِكُم ما لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظيمٌ﴾[النور: ١٥].

 

#فالنقد حق، والتجديد والإصلاح ضرورة، ولكن مع الأهلية، وسلامة الأدوات، ونتائج غير جدلالية .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار