المقالات والبحوث

نظرات في علم النفس الاجتماعي في الرؤية الإسلامية بقلم السيد فاضل الموسوي الجابري

نظرات في علم النفس الاجتماعي في الرؤية الإسلامية   بقلم  السيد فاضل الموسوي الجابري
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف

نظرات في علم النفس الاجتماعي في الرؤية الإسلامية 

 

بقلم

 السيد فاضل الموسوي الجابري 

 

 

القسم الاول 

 

إنّ التعمّق في فهم العقل البشري، وتحليل أساليب تفكيره وإدراكه للعالم المحيط به، هو مسعى معقّد ومتشعّب، لكنه في الوقت نفسه ممتع وضروري، لا سيّما حين نبحث عن رؤية تُقارب هذه القضايا من خلال منظورٍ إيمانيّ يتكامل فيه العلم الحديث مع نور الوحي.

لقد أثبتت الدراسات التجريبية التي أُجريت في بيئات اجتماعية مشابهة لمجتمعاتنا، أن العوامل والظروف المحيطة بالإنسان تمارس تأثيرًا جوهريًا في تكوين شخصيّته وسلوكه، من مرحلة الطفولة إلى المراهقة، ومن ثم إلى الرشد وما بعده. وهذه الحقيقة لم تكن غائبة عن الوحي، فالقرآن الكريم حين أشار إلى مراحل تدرّج الإنسان في الحياة، بيّن أن النشأة الأولى وما يليها من أطوار، تخضع لسننٍ إلهية تحكم تطور الإدراك والسلوك:

 {ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰ ۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ ۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ} [الروم: 54].

كما تشير الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى أهمية البيئة والأسرة والمجتمع في صناعة شخصية الإنسان. فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام:

 "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"

في إشارة إلى أن الطفولة مرحلة تأسيسية تترك آثارًا بعيدة المدى في تكوين الذهن والسلوك.

ولا غرابة أن تؤثر البيئة في الإنسان، فإن وجوده مزيج من قابليات فطرية وواقع اجتماعي يطبع شخصيته بما يزرعه فيه. وقد أشار علماء الاجتماع والنفس إلى أن الأفراد كثيرًا ما يتفاعلون مع الواقع المحيط بما يناسب ضغط المجتمع لا قناعاتهم الذاتية، وهو ما نلاحظه في بعض التصرفات التي لا تعبّر بدقة عن المعتقد أو الميل الحقيقي، بل تمثل استجابة ظرفية أو لاواعية.

وفي ضوء هذه الرؤية، يبرز تساؤل مهم:

هل سلوكنا ومواقفنا وكلماتنا تعكس حقيقة شخصيّتنا الداخلية؟

هل نعي معتقداتنا ومشاعرنا وميولاتنا بوضوح، أم أنّنا نتحرّك في كثير من الأحيان بشكل لا إرادي وتلقائي؟

إن هذه التساؤلات ليست مستحدثة، بل نجد جذورها في دعوة القرآن الكريم إلى التفكر في النفس:

 {وَفِیۤ أَنفُسِكُمۡ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} [الذاريات: 21].

فالقرآن يلفت نظر الإنسان إلى ضرورة أن يتأمّل في ذاته، ليكشف حقيقة ما فيه، لا ما تُمليه عليه الضغوط أو المؤثرات الخارجية. كما أن السنّة الشريفة تحث على محاسبة النفس ومراقبة الباطن، فقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام):

 "ليس منّا من لم يُحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل خيرًا استزاد، وإن عمل شرًا استغفر الله وتاب إليه."

وبذلك يتكامل البُعد النفسي مع البُعد الإيماني: فالسلوك ليس وحده كافيًا لتشخيص حقيقة الإنسان، بل لا بدّ من النية والإدراك الواعي وراء السلوك، وهنا تلتقي معطيات علم النفس الاجتماعي الحديث مع مبادئ الإسلام التربوية، حيث يؤكد الطرفان أنّ الإنسان ليس مجرد انعكاس سلبي للبيئة، بل هو فاعل أخلاقي مسؤول يستطيع أن يتحرر من الضغوط الخارجية إذا ما وعى نفسه وربّى إرادته

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار