المقالات والبحوث

العلاقة مع الله سبحانه بقلم الاستاذ عماد الهلالي

 العلاقة مع الله سبحانه بقلم الاستاذ عماد الهلالي
المصدر: واحة_ وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


العلاقة مع الله سبحانه بقلم الاستاذ عماد الهلالي
لعل أهم مبحث ينبغي على الإنسان البحث فيه هو علاقة الله به وعلاقته مع الله سبحانه، ومن العلاقتين تُشتق وتؤسس كل معرفة أخرى، بل منهما يُكون العقل والمعرفة والحكمة وكل خير.
أما علاقة الله بنا فهو الخالقية، والخلق -كما قلنا سابقاً - هو علاقة مستمرة، والاستمرار تعبير نستعمله لقصور الألفاظ عن الإشارة لتلك العلاقة التي هي فوق الزمان، فرغم أن وعينا في هذه الدنيا متقطع بالزمان فنعي آناً واحداً من الكون ثم يتحرك وعينا مع الكون ومع الزمان فننتقل إلى وعي آنٍ آخر، وهكذا.. ولكن هناك في أعلى نفوسنا جزء فوق هذا التقطع الزماني ولولاه لم نستطع تذكر الآنات الماضية، وذلك الجزء أزلي يمثل العلاقة مع الله سبحانه وتعالى واللمسة الخلقية والحقيقة البسيطة الأولى والاسم المكنون الذي هو سر حياتنا ووعينا.
وأما علاقتنا بالله، أعني مسيرتنا نحوه وكيف نسير إليه عز وجل، فهناك طريقان لتصورها:
الأولى: السير بالمعرفة والعقل والاستنتاج، وهذه الطريقة لا توصل إلى الله عز وجل ولكنها تنفع في نفي الأغيار، لأن التحري المعرفي والبحث العقلي ينفع في القضايا لا في وجدان الجزئيات، وقد يزيد اليقين بوجود الشيء ولكن لا يوصلنا إلى مشاهدته، فمثلاً لو اختلفنا في وجود الإنسان فإن استنتاج وجوده من الإمكان أو الوجوب ليس مثل مشاهدته بنفسه. ولكن السير العقل يفتح باب اليقين بالله تعالى بدلالة عرضية أو لنقل من استشفاف خلفي، كمن يسير في طريق والشمس من خلفه سيرى ظله أمامه فيعرف نفسه ويعرف أنه لولا الشمس لما كان له ظل، ثم شيئاً فشيئاً يصرف وعيه عن الظل ويلاحظ نفسه ثم ينتبه أنه لولا الشمس لما كان له وعي.
الثانية: التنازل عن الأنانية بالتدريج، ولغرض تقريب التصور نشبهه بشخص وقع في البئر على وجهه، ثم ألقي إليه حبل ربطه في ظهره وسُحب إلى الأعلى ووجهه إلى الأسفل، وأثناء سحبه إلى الأعلى صار ينظر إلى جوانب البئر التي كان فيها والتي اجتازها أثناء السقوط السريع، فهو لم يكن ليصعد من تلقاء نفسه لولا الحبل، وما كان بإمكانه النظر إلى الأعلى لأنه ينظر إلى الأسفل. والإدراك في المرتبة السفلى لا يمكنه الإحاطة بما فوقها؛ لأنه يدرك السفلى بالعليا ولا يمكن إدراك العليا بالسفلى، إلا على نحو التشبيه.
فعملية الخلق هي تنزّل لنور الله من مقام إلى مقام حتى خُلق هذا الجسد، فكيف نرجع في طريق خطوات التنزل؟ يكون ذلك ليس بحركة الإنسان نفسه، بل بتنازله عن المراتب المتنزلة شيئاً فشيئاً، وكلما قشّر الإنسان شيئاً من أنانيته كلما برزّ النور الإلهي الذي هو في باطنه ثم يتسلسل حتى يرى لحظة ولادته وبروزه في عالم الإمكان، ثم تختفي مداركه الشخصية حتى يكون الوعي بنور الله عز وجل.
والطريقان -بتدبير الله تعالى ولطفه- طريق واحد، والخلق يتجه إلى يوم القيامة [كما بدأنا أول خلق نعيده) والأرض تنقص من أطرافها والظل يُقبض قبضاً يسيراً وشمس الحقيقة تتحول من الشرق إلى المغرب، وما على الإنسان سوى أن يبلغ أقصى ما يمكنه عمله ويصعد إلى أعلى الطور ثم من هناك إذا شاء الله أن ينزع عنه أنانيته ويقلبه لباطنه ناداه [فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ] (القصص : 30) (راجع معالم هذا المستوى في كتاب عواطف الآملين في سورة القصص المباركة).

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار